نظر ابراهيم فى ساعته, كانت العاشرة والنصف.. العمل يسير فى دورته المعتادة , لا شىء جديد هناك , ها هى ما كينات الورق تستقبل اللب والقش ليخرج منها بعد ذلك الورق الأبيض الناصع, وهناك فى أقصى يمين المصنع تقبع ماكينة تغليف الورق وحولها مجموعة من العمال يقومون بتشغيلها ووجوههم تنطق بالبشر والسعادة ,تصل الى اذانه أ صوت ضحكاتهم وأحاديثهم.. يتناهى الى سمعه صوت محمود وهو يتحدث بفرح :اسمع يا عم خبر بمليون جنيه .. مجلس الادارة وافق على صرف الأربع شهور يردعليه مصطفى : والله! وحيقبضونا امتى؟ تنطلق ضحكة من الجانب الآخر ويسمع صوت منى تقول لسحر: ايه يا سحر ؟ مالك مبسوطة أوى النهاردة؟ ترد الفت: اسكتى يا منى مش جالها عريس؟ - منى:آه ليكى حق طبعا تكونى مبسوطة الف مبروك يا حبيبتى.. تنطلق كلمةمبروك فتخرق أذن ابراهيم ويتذكر متى قيلت له هذه الكلمة؟! منذ حوالى خمس سنوات كان سعيدا مثلهم , لم يكن هناك شىء يؤرقه أو يحزنه, ولماذا يحزن وهو عريس لم يمض على زواجه سوى شهر واحد شعر فيه انه فى الجنة و... ولكن سعادته لم تدم.. ماتت زوجته بعد أن تركت له طفل عمره اربع سنوات الآن , وطفلة تدخل فى عامها الثالث , ومنذ ماتت المرحومة وهو حائر بهم ..لا يدرى كيف يتصرف معهم, ولا ماذا يفعل من أجلهم , لا شىء يعجبهم ولا شىء يرضيهم.. أحضر لهم زوجة لكى ترعاهم وتساعده فى تربيتهم ولكنهم لم يقبلوا عليها, بل على العكس كلما مر يوم كلما ازدادوا نفورا منها وانصرافا عنها- أفاق ابراهيم من ذكرياته على صوت الكلارك وهو يمر من جانبه وصوت سائقهيقول: صباح الفل يا عسل , رد عليه السلام ثم حانت منه التفاتة تجاه ماكينة التغليف فوجدهم ما زالوا يضحكون ويعملون بنفس الحماس ,كان محمودمازال يروى لمصطفى عن المكافأة , وعبدالفتاح كعادته يردد فى نفسه بعض ايات من الفرآن الكريم وهو يعمل , وكانت سحر ما زالت تحكى لزميلاتها عنالعريس الذى تقدم اليها , و.. ولكن ماهذا يا ابراهيم؟! ان سحر تقف مرتكزة بجسمها على لوحة التشغيل , والمكبس يعود الى الخلف فى اتجاهها يكاد يحشرها بين أجزاؤ الماكينة.. حاول أن يخرج صوته :أوقفوا الماكينة .. أوقفوا الماكينة .. وجد صوته يرن فى داخله فقط ولا يتعدى حدود جسمه .. حاول أن يجرى هو ليوقف الماكينة فلم يجد قدميه ! وانما وجد قائمتان من الحديد قد تسمرتا فى الأرض وعلى قمتهما عينان زائغتان تنظران فى دهشة وذهول الى سحر التى مازالت غير منتبهة الى الخطر المحدق بها و.. فجأة انطلقت صرخة شقت أرجاء المكان , انتبهت سحر فى اخر لحظة واطلقت لصرخاتها العنان .. ساد الهرج أرجاء المكان البعض يجرى هنا والبعض يهرول هناك بحثا عن زر توقف الماكينة , والبعض يقف مذهولا من المفجأة .. المكبس لايزال يضغط على جسم سحر الرقيق .. اللماكينة لم تتوقف .. سحر تصرخ .. تصرخ .. صوت صراخها ينخفض .. ينخفض أكثر .. أخيرا الماكينة تتوقف .. تسقط سحر على الأرض .. يسارع العاملون بحملها الى الأسعاف ! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.