الأمانة العلمية في التعامل مع رموزنا الفكرية والثقافية وبل والدينية أيضا ، تحتم علينا رصد التطور في الاتجاهات الفكرية لهؤلاء الرموز لنستكشف المحطات الأخيرة التى ارتادوها بعد أن راجعوا أخطاء وتجاوزات وشطحات البدايات ونقحوا أفكارهم ليصلوا فى النهاية الى الصورة الناضجة الراشدة التى تمنوا أن تبقى هى الوحيدة الملتصقة بأذهان الناس دون غيرها .
ليس من الانصاف أن نقف – على سبيل المثال - في سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه عند مرحلة قتاله للمسلمين في أحد ، ونتغافل ونعرض عن جهاده مع النبي صلي الله عليه وسلم والفتوحات التي تمت علي يديه ، وكذلك غيره من القادة والزعماء الذين بدأوا حرباً على الاسلام وانتهوا قادة له وناصرين لشريعته وأمته .
طه حسين بدأ حياته الفكرية منبهراً بالحضارة الغربية ، لكننا نغفل محطاته النهائية ومراجعاته الفكرية ، وما وصل اليه في نهاية صراعه الداخلى والذهنى ، ليصل الي حاكمية القرآن؛ كما يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة .
لقد خبر طه حسين حياة مليئة بالتجارب منذ ولادته بمحافظة المنيا 14/11/1889 فحفظ القرآن الكريم في سن التاسعة بكتاب القرية ثم انتقل ليتعلم في الأزهر الشريف 1912م ، فسمع من شيوخ الأزهر الفقه والنحو ، وكان في صباه ساخطاً علي طريقة التدريس التي كانت متبعة في الأزهر آنذاك بعد أن سمع الأستاذ الامام محمد عبده ساخطاً أيضاً علي وضع الأزهر .
وفي عام 1908، أُفتتحت الجامعة المصرية فالتحق بها لعله يجد بها ما يحب من العلوم ، فسمع محاضرات في الأدب الغربي والحضارة الإسلامية واللغات السامية والفلك وغيرها من المواد التي كانت لا تدرس في الأزهر في ذلك الوقت . وفي عام 1914 قررت الجامعة ارسال طه حسين لبعثة إلي فرنسا ، وكان سفره الي فرنسا يعد بمثابة محطة تحول فارقة في حياته الفكرية، فسمع دروساً في الأدب الفرنسي كما سمع تفسير القرآن الكريم علي يد كازانوفا ، و درسَ منهج الشك لديكارت ، وحينما عاد من فرنسا شغل منصب أستاذ بالجامعة المصرية . أرادَ طه حسين أن يطبق منهج الشك لديكارت علي بعض قصص القرآن الكريم فألف كتابه الشهير " في الشعر الجاهلي " ليشك في الصدق التاريخي لبعض قصص القرآن الكريم وهي قطعية الدلالة فأنكر الرحلة الحجازية لأبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام ؛ كما أنكر قصة بناء الكعبة ، التي قام بها سيدنا إبراهيم وولده اسماعيل عليها السلام ، بل أنكر اتصال الإسلام بالحنفية ، فكفره البعض واتهمه آخرون بالالحاد ، فلم يقف طه حسين عند هذا الحد بل ظل ينادي بعلمنة الإسلام ، وحاول أن يثبت أن الاسلام شيء والسياسة شئ آخر ، وأن الدين لا يصلح أن يكون مقوماً من مقومات الوطن ووحدته . ولكن من رحمة الله تعالي بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أنه لم يقف عند هذا الرأي . وبعد صراع مرير بين الشك واليقين و الإنبهار بالحضارة الغربية والتي قال فيها مقولته الخاطئة "علينا ان نقبل الغرب بخيره وشره وحلوه ومره " .
أما محطة طه حسين النهائية التى لم نكتشفها ولم نسلط عليها الأضواء مع التركيز المكثف فى الاعلام ومنابر الثقافة على بداياته فقط ، فقد تحدث عنها المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء قائلاً : انتهي طه حسين الي اعلان وجوب الإلتزام بحاكمية القرآن في الدستور والقانون وأن الإسلام صانع الوطن الأول بالنسبة لكل المسلمين علي امتداد عالم الإسلام .
وأكد الدكتور عمارة أن دطه حسين بدأ حياته الفكرية بالشك في الصدق التاريخي لبعض قصص القرآن الكريم ، وانتهي طه حسين الي اعادة طباعة كتابه " في الشعر الجاهلي " ، والذي أنكر فيه بعض قصص القرآن الكريم ، ليعيد طباعته بعنوان في " الأدب الجاهلي " ، وليحذف منه 28 سطراً ، تلك التي تتضمن التشكيك في الصدق التاريخي لبعض قصص القرآن الكريم.
وأوضح الدكتور عمارة : أن الدكتور طه حسين كان لا يسمع في بيته قبل موته 28/10/1973 سوي تلاوة المصحف المرتل من اذاعة القرآن الكريم ،
وبهذا يكون قد انتهي طه حسين من معاركة الفكرية ليصل في نهاية حياته من الشك الي اليقين ؛ ليصبح فارساً من فرسان المراجعات العلمانية . أسأل الله عز وجل أن يجعل هذه المراجعات كفارة لما قدم من فكر مخالف للشريعة الغراء . وأن يجعلنا ممن ينصفون الرجال والرموز بميزان الحق وبالسيئات والحسنات والبدايات والنهايات .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.