أفتى الدكتور عبد الرحمن البر، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، وعضو مكتب الإرشاد بجماعة "الإخوان المسلمين" بعدم مشروعية مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة ترشيحًا أو اقتراعًا، معتبرًا ذلك تقاعسًا عن السعي للتغيير، في الوقت الذي لم تحسم فيه الجماعة بعد موقفها النهائي من قضية المشاركة فيها، وسط دعوات متصاعدة من داخل وخارج الجماعة بمقاطعتها. وعلى خلاف الأصوات التي طالبت بمقاطعة الانتخابات مبدية شكوكها في تحقيق الضمانات إجرائها بنزاهة وحيادية، رفض عبد البر الدعوة إلى المقاطعة بأي حال من الأحوال، محتجًا في رأيه بأن "مقاطعة الانتخابات ترشيحًا أو اقتراعًا، في هذه الظروف التي نعيشها، ما لم تكن له أسباب مصلحية معتبرة، من شأنه أن يُعطِّل جميع القواعد الفقهية التي تتعلق برفع الحرج عن الأمة". وخلص في دراسة نشرها موقع الجماعة على الإنترنت تتضمن رؤيته من منظور "شرعي" حيال المشاركة في الانتخابات وما يتعلق بها من تصويت وعقد تحالفات مع القوى والفصائل الأخرى إلى وجوب المشاركة تماشيًا مع قاعدة "الأخذ بأخف الضررين وأهون الشرين"، بينما رأى أن المقاطعة "هي سكوت عن الحق، وهي قبول بالمنكر، وهي قعود عن الإقدام على تغييره"، على حد قوله. واعتبر في مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة في اختيار نواب البرلمان تعطيلاً لفريضة شرعية، وقال إن "المسلم إذا تخلف عن المشاركة في هذا الأمر فقد قصر في القيام بواجبه الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ". ورفض ما ذهب إليه البعض من أن الانتخابات ليس لها سند شرعي، بل أن "الانتخابات مفهوم شرعي أصيل"، مدللاً على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين بايعه الأنصار في بيعة العقبة الثانية: "أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ عَلَى كفلاء قَوْمِهِمْ وأكون كفيلاً على قومي"، باعتبار أنه أراد من ذلك انتخاب ممثلين عنهم وينوبون عنهم في عقد المبايعة مع النبي صلى الله عليه وسلم. وذهب في فتواه إلى حد اعتبار "عدم الدخول في المجالس النيابية وعدم المشاركة فيها، وعدم القيام بهذا الأمر مع القدرة والاستطاعة؛ أشبه بالهروب من المسئولية والتولي يوم الزحف"، في إشارة تشبيه إلى الهروب من العدو في المعركة، وهي من الكبائر في الإسلام التي تستوجب الحكم بالقتل. ورأى في المقابل أن المشاركة من شأنها أن تدرئ الكثير من المفاسد عن الأمة، وأن الأداء النيابي يمكن أن يحيق مجموعة من الأهداف التربوية، والأخلاقية والاقتصادية والبيئية والسياسية، رافضًا التقاعس عن المشاركة فيها ومقاطعتها حتى مع تزويرها، باعتبار النظام الانتخابي "باب من أبواب النصيحة الشرعية التي لا يصح التخلُّف عنها لأي سبب من الأسباب". وتابع قائلاً: "من واجبنا أن نعمل على إنقاذ السفينة، شاء الناس أم أبوا، قبل المفسدون أم رفضوا، إنما نحن الذين يجب أن نقوم بدورنا، وأن نمنع بخروجنا وبمواقفنا التزوير، ونمنع تزوير إرادة الأمة بخروجنا". وحث عبد البر فصائل الحركة الإسلامية على المشاركة في العملية الانتخابية تحت سقف مشروع إسلامي وطني واحد؛ لمواجهة "العربدة والمشاريع الأمريكية الصهيونية التي تريد أن تجتاح الأمة على كل صعيد"، داعيًا إياها إلى الدخول في تحالفات انتخابية، حتى إذا "كان هناك اختلافات في بعض المسائل الشرعية الجزئية". وأباح كذلك التحالف السياسي بين المرشحين الإسلاميين مع جهة "لا تحمل المشروع الإسلامي، أو مع مرشح غير إسلامي، أو حتى مع مرشح غير مسلم، كالتحالف مع الجهات الوطنية والقومية وغيرها"، لكن في المقابل أفتى بعدم شرعية التحالف "مع من يُعلن رفض المشروع الإسلامي جملةً وتفصيلاً، ومع من يدعو إلى عدم تطبيق الشريعة، ومع من لا يلتزم بصميم الدستور الذي ينص على اعتبار الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد من مصادر التشريع". يذكر أن "الإخوان" أجروا اتصالات مع ممثلين عن تيارات وأحزاب وقوى سياسية خلال الشهور الماضية، استهدفت مد جسور العلاقة معها، وبحث إمكانية التنسيق معها في الانتخابات، ومن بينها حزب "التجمع" الذي يعد رئيسه الدكتور رفعت السعيد من أشد خصوم الجماعة ومن أبرز معارضيها، كما أنه من أكثر المعادين للمشروع الإسلامي الذي تطرحه الجماعة والإسلاميون عمومًا.