وضعت الغارات الأطلسية على نقاط التفتيش الباكستانية المحاذية لأفغانستان والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف عناصر الجيش الباكستاني الشريك الاستراتيجي في الحرب على ما يوصف بالإرهاب كما دأب على وصفه القادة الأميركيون، وضعت تلك الغارات الحكومة والجيش الباكستاني في مأزق حقيقي، فلا هم قادرون على الصد على هذه البلطجة الخارجة عن القانون الدولي فالتفويض الأممي للقوات الأجنبية في أفغانستان يحصر عملها ضمن النطاق الأفغاني، ولا هم قادرون على الصمت أمام تراجع شعبية الحكومة والجيش بشكل مخيف في الشارع بعد أن ابتلعوا الإهانات طوال السنوات الماضية من غارات تقوم بها طائرات تجسس أميركية في مناطق القبائل وأسفرت عن مئات القتلى والجرحى .. على أي حال الوضع ينذر بتداعيات خطيرة، ولكن في البداية دعونا نقرأ في الأسباب التي دفعت قوات الأطلسي إلى هذه الاستراتيجية الخطيرة في مهاجمة حليف له بمستوى باكستان، ونسعى في هذه العجالة إلى رصد بعض هذه الأسباب والبواعث: 1- الخسائر المتعاظمة للقوات الدولية في أفغانستان وتعاظم النفوذ الطالباني هناك ينظر إليه البعض على أنه سبب رئيسي لحالة الإحباط الأميركية والأطلسية وهو ما دفعهم إلى تنفيذ غارات أطلسية على الجيش الباكستاني، سيما وأنهم ينظرون إلى مناطق القبائل المتاخمة لأفغانستان والتي قصفوها بالأمس على أنها قاعدة خلفية لهذا النشاط المسلح في الشرق الأفغاني.. 2- الهجوم بالمروحيات الأطلسية ربما مؤشر وتمهيد للبدء باستخدام هذا السلاح بعد عجز طائرات التجسس الأميركية عبر السنوات الماضية في تصفية مسلحي القاعدة وطالبان في مناطق القبائل، وبالتالي تكرار الهجمات بالمروحيات ربما يؤشر إلى أن ثمة مرحلة جديدة أطلسية في مناطق القبائل ستنتقل فيها العمليات هناك من القصف عبر طائرات التجسس إلى المروحيات الأكثر فاعلية بحق المسلحين .. 3- القوات الأجنبية تنظر إلى انشغال الجيش الباكستاني في كارثة الفيضانات عن حربه مع القاعدة وطالبان على أنه فرصة لهذه المجموعات لتعيد تنظيم صفوفها، وبالتالي كان الرد الأطلسي سريعا بحيث أراد إرسال رسالة واضحة للجيش الباكستاني إذا كنتم مشغولون أو لا تودون عمل شيء ضد المسلحين فنحن موجودون، ونستطيع القيام بذلك .. 4- المخاوف الغربية تزداد من إمكانية التخطيط لعمليات في أوربا تتم في مناطق القبائل الباكستانية ورغم أن ذلك تم الكشف عنها في الغرب استنادا إلى التحقيق مع أشخاص غربيين اعتقلوا أخيرا وكذلك مع الباكستاني فيصل شاه زاد الذي اعتقل في المحاولة الفاشلة لتفجير تايمز سكوير إلا أن المسؤولين الباكستانيين ينفون صحة ذلك.. 5- ثمة سبب أزعج القوات الغربية جدا في أفغانستان وهو ما تردد عن عرقلة باكستان طوال الأسبوع الماضي خطوط إمداد القوات الدولية الذي يمر عبر الأراضي الباكستانية حيث أن أكثر من ثمانين بالمائة من الإمدادات تأتي عبر أراضي باكستان، وبالتالي مثل هذه العرقلة ستسبب مشاكل لوجستية ضخمة للقوات الدولية في أفغانستان، وهو ما يفسر لجوء باكستان إلى سياسة قطع خطوط الإمداد ردا على استهداف قواتها أخيرا..