في حكم تاريخي من العيار الثقيل ، أيدت المحكمة الإدارية العليا أمس الثلاثاء قرار محكمة القضاء الإداري ببطلان عقد مشروع "مدينتي" بين وزارة الإسكان ومجموعة طلعت مصطفى، والذي حصلت بموجبه الشركة على مساحة 8 آلاف فدان لإقامة مشروع سكني استثماري، دون أن تطرحها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في مزاد عام. وجاء في حيثيات الحكم ببطلان عقد بيع أرض "مدينتي"، أنه حين تم توقيع العقد كان العمل بأحكام قانون المناقصات والمزايدات ووفقا لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات، وأوضحت المحكمة أن العقد أبرم في 1 أغسطس 2005 وملحقه 21 ديسمبر 2005، أي في ظل العمل بأحكام هذا القانون ومن ثم يكون خاضعا في إبرامه لأحكامه، لكن لم يتم اتباع إجراءات قانون المناقصات عند البيع. وأضافت المحكمة في القرار الذي أصدره المستشار منير جويفل نائب رئيس مجلس الدولة، إن عدم الشفافية تعد من أسباب البطلان، لأن الحالات البيع الأخرى جرى الإعلان عنها من خلال حملات إعلانية ضخمة داخل مصر وخارجها للإعلام عن مزادات بيع هذه الأراضي ومواعيدها لتحقيق الشفافية وتكافؤ الفرص وإعطاء الفرصة للدولة للحصول على أفضل الأسعار، لكن ذلك لم يحدث عند بيع ارض "مدينتي". وأوضحت أن سعر بيع أرض "مدينتي" كان ضئيلا للغاية بالمقارنة بالحالات الأخرى في ذات المنطقة، وهي منطقة القاهرةالجديدة الكائن بها مشروع "مدينتي"، كما أن السعر غير متناسب مع الأرض المباعة والذي يتم أداءه في مراحل زمنية تصل ل20 عاما، كما أن السعر لا يتناسب مع سعر السوق. ووصف المحكمة في حيثيات الحكم عقد بيع "مدينتي" بالخروج السافر عن القانون والإهدار لأحكام قانون المناقصات والمزايدات الذي جرى إبرامه بالأمر المباشر، وحيث أن عقد التداعي هو عقد بيع ورغم ما اشتمل عليه البيع من مساحات شاسعة تكفى لإنشاء مدينة بأكملها ومع ذلك تم بالأمر المباشر. وهوى الحكم بأسهم مجموعة طلعت مصطفى أكبر شركة مصرية مدرجة للتطوير العقاري بالبورصة المصرية، حيث هبط السهم سبعة بالمائة إلى 6.9 جنيه، متأثرًا بالقرار الصادر من أعلى محكمة إدارية في مصر، ونقلت وكالة "رويترز" عن مستشار قانوني للمجموعة، إن الشركة لديها بدائل لتسوية الخلاف، لكنه لم يحدد تلك البدائل. فيما قال متعاملون إن المجموعة تسعى لتسوية مالية مع الحكومة. ووصف عوني عبد العزيز رئيس شعبة الأوراق المالية بالغرفة التجارية تأكيد الحكم ببطلان عقد "مدينتي" بالخبر الناري الذي أضرم النار في البورصة وفي أسهم مجموعة مصطفى بشكل خاص، وتوقع في تصريح ل "المصريون" أن يتم تعويض أصحاب الوحدات من قبل هيئة المجتمعات العمرانية وشركة "مدينتي". وأكد خبير الأوراق المالية عيسى فتحي، أن تأثير الحكم على أسهم مجموعة طلعت مصطفى ظهر في أقل من ساعة بعد النطق بالحكم، حيث هبطت أسعار الأسهم بنحو 8 في المائة دفعة واحدة، نتيجة الحكم ببطلان عقد "مدينتي"، وأوضح أن على الشركة أن تصدر بيان إفصاح لبيان كيفية معالجتها للأمر، وذلك بالتعاون مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة . ومن الناحية القانونية، قال إن التعويضات المتوقعة لن تطال أصحاب الأسهم، وإن عليهم ألا يلوموا أنفسهم، بعد أن أدى قرار النيابة بحفظ التحقيق في إهدار المال العام في مشروع "مدينتي" ل "عملية "تضليل" أدت لترسيخ انطباع إيجابي لدى المستثمرين شجعهم على الشراء. وتابع: حفظت النيابة القضية وسمعنا شعرا في تخصيص العقد المبرم بين مدينتي وهيئة المجتمعات العمرانية منذ أسبوعين، وقالت الأخيرة إن السعر المتفق عليه يفوق السعر الذي كان سيرسيه المزاد، واعتبر أن هذا تصرف غير مقبول لأنه هناك تشريعات لابد أن تحترم في مثل هذه العقود. واستطرد: بناء على هذا، فإن المستثمرين تعاملوا مع المسألة بطريقة رجال الأعمال وبالتالي الشركة لا يمكن أن تعوض مستثمريها، وتوقع أن تتأثر أسهم مجموعة شركات طلعت وحدها دون باقي شركات سوق المال، مقترحا أن تعلق البورصة التداول على الأسهم لحين صدور بيان إفصاح لكيفية مواجهة المشكلة. أما الدكتور سمير مرقص أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية فقال إن أثر البطلان يتمثل في أن العقد مشوب بخطأ من جهة هيئة المجتمعات العمرانية ومجلس إدارة شركة "مدينتي"، وهناك أطراف حسنة النية، وهم أصحاب الوحدات ولابد من تعويضهم، لأن القانون ينص على ألا يضار الطرف الحسن النية في التعاقد. وخالف الرأي السابق بالنسبة للمستثمرين في البورصة، وقال: من حق أصحاب الأسهم المضارين بتدني أسعارها أن يطالبوا بتعويض في حالة تغاضي الشركة عن الإيضاح واستمرار الهبوط في أسعار الأسهم نتيجة بطلان العقد. من ناحيته ، قال أسامة غيث، عضو لجنة السياسات بالحزب "الوطني"، ومدير تحرير "الأهرام" ومحرر باب الأسبوع الاقتصادي بالجريدة، إن الحكم يثير العديد من علامات الاستفهام حول قرار النيابة بحفظ التحقيق في البلاغ ضد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق بإهدار المال العام في مشروع "مدينتي", وهو ما يستوجب إعادة النظر فيه، وإعادة فتح التحقيق مجددًا. وأوضح عيث أن الحكم يؤكد ضرورة احترام القانون, وأن القرارات الخاطئة لا تتحصن مهما طال الزمن, مشددًا على ضرورة مواجهة الفساد في تخصيص الأراضي المملوكة للدولة بحزم, خاصة وأن هذا الفساد يثير سخطًا وغضبًا مجتمعيًا ينذر بعواقب وخيمة, على حد قوله. ورجح أن يؤدي الحكم ببطلان عقد "مدينتي" إلى فتح الباب أمام صدور أحكام قضائية ببطلان عقود أخرى مماثلة, وعلى رأسها عقد بيع وزارة الزراعة 120 ألف فدان من أراضى توشكي للأمير السعودي الوليد بن طلال، مرجحًا أن يصدر حكم قضائي ببطلانه. وأشار إلى أن هناك العديد من الحالات لرجال أعمال ومستثمرين حصلوا على استثناءات وامتيازات في عملية تخصيص الأراضي المملوكة للدولة, مشددًا على أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال الصمت على الأراضي التي حصل عليها عدد من رجال الأعمال والمستثمرين بالمخالفة للقانون, داعيًا إلى ضرورة تدخل الجهات السيادية لتصحيح الأوضاع وإعادة حقوق الدولة. ومع بروز المخاوف من إمكانية أن يؤدي الحكم إلى إصابة الحاجزين في المشروع بأضرار نتيجة الحكم ببطلانه، نفى ممدوح الولي، المحلل الاقتصادي والرئيس المناوب لقسم الاقتصاد بصحيفة "الأهرام" ذلك، وقال إن الحكم لن يصيب أصحاب الوحدات السكنية والمحلات التجارية في المشروع بأضرار. وأوضح أن الأشخاص الاعتباريين والنقابات والنوادي غير الهادفة للربح، بما فيها الجامعة الأمريكية لن يضاروا من الحكم الصادر ببطلان عقد "مدينتي"، خاصة وأن القاضي الذي أصدر الحكم أغلق الباب أمام إقامة دعاوى قضائية ببطلان عقود تخصيص الأراضي لهم استنادا إلى أن هذه الجهات لا تهدف للربح. لكنه رأى أنه كان من الأفضل أن يتم توجيه دعوى بطلان عقد "مدينتي" إلى المحكمة الاقتصادية، خاصة وأنها تحتاج إلى خبراء في الاقتصاد لدارسة كل جوانب القضية، بدلا من الذهاب بها إلى محكمة القضاء الإداري، لأن القضية يصعب أن يلم بكل جوانبها قاض متخصص في القانون, مشيرا إلى تغير القيمة السوقية للأرض التي تم تخصيصها في عام 2005, كما أن مجموعة طلعت قامت بإمدادها بالمرافق وهو ما رفع قيمتها أضعاف ما كانت عليه حينذاك. وأعرب الولي عن اعتقاده بأن الحكومة ستقوم بالتلاعب في تنفيذ الحكم، مشيرا إلى أن لها سوابق كثيرة في هذا الصدد, خاصة وأنها نفسها تتحمل خطأ قرار تخصيص الأرض ل "مدينتي" وليس الوزير السابق إبراهيم سليمان وحده الذي لا يستطيع أن يتخذ قرار تخصيص أكثر من 8 آلاف فدان من تلقاء نفسه، ودون أن يحصل على ضوء أخضر من الجهات العليا بالدولة، ورجح أن تكون هذه النقطة تحديدًا أحد أسباب حفظ التحقيق مع سليمان مؤخرا، في البلاغات المقدمة ضد من 45 نائبًا بمجلس الشعب. وتوقع أن تقوم الحكومة بالتوصل إلى حلول توفيقية لحفظ ماء وجهها بعد صدور حكم القضاء, بالإضافة إلى الحفاظ على مجموعة طلعت مصطفى وحمايتها من الاهتزاز, وحماية الاستثمار بصفة عامة في مصر, حتى لا تهتز ثقة المستثمرين في مناخ الاستثمار بما يدفعهم للهروب بأموالهم للخارج. واستبعد الولي أن يؤدي الانخفاض الشديد في أسهم مجموعة طلعت مصطفى بالبورصة عقب صدور الحكم إلى تأثيرات عكسية على وضع الشركة، خاصة وأن الإدارة كانت قد أخذت في حسبانها إمكانية صدور الحكم في غير صالحها, وأشار إلى أن هذا التراجع يمكن تعويضه بسهولة خلال الأيام القادمة.