العيد في ذاكرتنا , نحن المصريون , هو يوم فاصل بين ماضٍ مترع بالهموم والأزمات والأحزان وحاضر قصير قد لا تزيد مدته عن يوم يودع فيه الإنسان أحزانه كأنها كيان بائن عنه وكأنها لم تخط خطوطها في وجهه وملامحه , ليعيش لحظته وترتسم الإبتسامة على محياه كأنها لم تفارقه طول عمره فمن يراه ساعتها يحسبه نديم السعادة وعدو السآمة . فهو يوم الهدنة والسلام والمحبة والتآخي , يو البشر والسرور يستيقظ الإنسان في هذا اليوم وروحه متألقة منسابة منتشرة طلقة كأنها طفل يضحك ويلهو ويلعب ويصافح ويقبل كل من تراه عينيه . هذا هو شعورنا في سالف الأعياد على ما يسبق هذه الأعياد من أزمات وتحديات ألفناها فكانت جزءا من يومياتنا رغباً أو رهبا مسلين أنفسنا بأنها الحياة الدنيا التي لا تنفك عنها الآلام والمحن. وأما آخر الأعياد حضورا وهو عيد الفطر الماضي , فكان الأمر مختلفا , فلم ترتسم تلك الابتسامة على وجهي واحايلها وأطلب ودها فتتمنع كأنها طفل غضوب يتدلل على من يحبه ويداعبه ,ولم أستطع أن استجمع ذهني في هذه المناسبة العظيمة لأعيشها مع أهلى وأطفالي ومن أحب , فكان الذهول والشرود هو حالي وأظنه كذلك حال عموم المصريين . فلقد بلغ الإستقطاب بالناس حينها غايته وتفرق المصريون فريق في رابعة والنهضة ومن يتابعونهم ويؤيدونهم وفريق حول السلطة الجديدة وقنواتها وعرابيها وفرقة لا تدري ما الأمر مذبذبين بين هؤلاء وأولئك . ولكن الجميع كان في قلق وترقب من حدث أو أحداث قد تعصف بالمجتمع عصفا وتؤكد تلك الفرقة وهذا الإنشقاق . ولم تمض أيام بعد العيد إلا وكانت الأحداث الدامية بفض الإعتصامات التي أدمت القلوب وزادت الكروب والتي لن تمحوها الأيام من ذاكرة وتاريخ ونفسية المصريين , ساد بعدها التطرف في الأقوال والمشاعر والعصبية التي يستحيل معها إعمال العقل وإجلاء الأمر وتصويب الرأي . فكان الناس قسمين ,قسم مع العنف بكل صوره يستبيح القتل وإبادة الآخر ودفنه حياً إن إستطاع وقسم آخر معتصم أو محتشد أو متعاطف يسكب الدمع ويرفع الإشارات والعلامات لا يطلب إلا عرشه وكرسيه مهما كانت النتائج والتبعات . كلاهما إختار العنف سلوكا وطريقا ,وان إختلفت الممارسات, لتغيير المشهد وتحسين الصورة كما يرغب أن تكون فأضحت تلك الصورة أشد كآبة وأكثر قبحاً شوهتها الدماء وأعيتها الدموع والآهات ويستطيع الجميع أن يطالع هذه الصورة بجلاء أمنيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا. قسم يَقتل ويسيل الدماء لكي يطاع أو يُرهب وقسم يُقتل ويدفع شبابه ونساءه وأطفاله ليقضوا نحبهم لكي يستعطف أو يستقطب ،الأول يرفع شعار الحرب على الإرهاب ويروع الناس بأن الإرهاب هو الخيار إن لم تكن الحرب عليه شرسة ومجهزة والآخر يرفع شعار لا للإستبداد ويرهب الناس من ان الخيار هو الإستبداد والدكتاتورية إن لم يكن الحشد والتأييد ونسيا أو تناسوْا أن الخيارين بينهما خيار ثالث وهو العدل والديمقراطية . فاسترخص الجميع الدماء وأوغلوا فيها لتحسين صورتهم وكأن هذه الدماء رذاذ ماء يرش على الأرصفة وقارعة الطريق .فاللهم عليك بمن استرخص هذه الدماء من كل جانب ولم يسع في حقنها وصيانة حرمتها. فبأية حال ستعود علينا يا عيد , نسأل المولى عز وجل وأنا أكتب هذه الكلمات يوم عرفة وأمامي على الشاشة جموع الحجاج وهم يدعون ويتضرعون فهو حقا خير يوم ودعاؤه خير الدعاء , نسأله سبحانه أن يكون عيد حب وإجتماع وتآخٍ تكون فيه إستعادة العقل والوعي وإعلاء حرمة الدم وصالح الوطن . دمتم بسلام وأمان