لقد وقعت منظمة التحرير الفلسطينية في خطأ الاعتراف بدولة إسرائيل، لأنه اعتراف بدولة احتلال. ولكن الأهم من ذلك، كيفية الاعتراف بدولة ليس لها حدود معروفة، وتلك هي المشكلة الأولى. فدولة الكيان الصهيوني ذات حدود مفتوحة، تغيرها على حساب حقوق غيرها، ناهينا أنها أساسا قامت على اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، حتى في ما وراء حدود 1948. ودولة الكيان الصهيوني الراهنة، ليس لها دستور يعرفها، ويعرف طبيعة الانتماء لها، وقواعد تعريف حامل جنسية هذه الدولة. وعليه لا يمكن قبول دولة تتغير في الواقع حسب أطماعها الاستعمارية، وهو تغير يأتي على حساب العرب في كل الأحوال. ولا نستطيع القول بأننا أمام دولة بالمعنى المتكامل للكلمة، بل أننا أمام حالة استعمارية تتشكل على أرض الواقع. ولهذا لا يمكن الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني الحالية، وعلى حركة حماس البحث عن وسيلة أخرى، لإعلان مبادئ، أو تحديد الشروط اللازمة لأي إعلان مبادئ مطلوب. وأول هذه الشروط أن يكون إعلان المبادئ متبادلا، وهذا لا يعني فقط أن يكون إعلان موقع من الطرفين معا، بل أن يكون إعلانا يحدد حقوق متساوية وعادلة للطرفين. وأول النقاط المحورية، ترتبط بأن أي وثيقة لمحاولة حل النزاع القائم في فلسطين، هي في الواقع وثيقة حول أوضاع الشعب الذي يعيش على أرض فلسطين واللاجئين. وهي حول وجود شعبين على أرض واحدة وبينهما نزاع، لأن طرف منهما اعتدى على الطرف الآخر. فالقضية ليست أساسا حول دولة إسرائيل الحالية، بل المشكلة كلها في دولة إسرائيل الحالية، لأنها دولة احتلال وعدوان. القضية إذن تخص الشعوب، والمطلوب البحث عن حل للتعايش على أرض فلسطين، حل يرتب حقوق متساوية وعادلة للطرفين، رغم أن أحدهما طرف معتدي والآخر معتدى عليه. وعلى الطرف الفلسطيني إدراك أنه يقدم تنازلا، عندما يبدأ في البحث عن حل للقضية، ويتغاضى عن واقعة الاحتلال وكل ما تبعها من مذابح. فالتنازل عن جرائم الحرب التي مكنت المحتل الصهيوني من أرض فلسطين، هي ورقة مهمة في التفاوض السياسي، وهي ورقة للمرونة لاعتبارات عملية. والاعتراف المتبادل، لا يكون بالفكر الصهيوني، ولا يكون هذا الفكر الاستعماري أحد أطرافه، بل يعد رفض الاعتراف بالدولة الإسرائيلية الحالية، رفضا لكل نتائج الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. ولكن وجود اليهود أصبح واقعا في فلسطين، وعليه تبدأ المفاوضات من هذه النقطة، أي العلاقة بين الشعب اليهودي والشعب العربي في فلسطين، وكيفية الوصول لاعتراف متبادل بين الشعبين حتى يتمكنوا من العيش على أرض واحدة. والاعتراف المتبادل يبدأ بحق العودة. فاليهود جاءوا إلى أرض فلسطين على مزاعم تروج أنها كانت أرض الآباء. وقد عاش بالفعل على هذه الأرض يهود، ولكن لا نعرف كانوا أباء لمن من يهود العصر الحاضر. على أية الأحوال، فإن وجود اليهود اليوم في فلسطين، يبرره حق أسطوري للعودة إلى الوطن الأم. وبدون حق العودة للفلسطينيين المهجرين من ديارهم، والذين يملكون السند القانوني المحدد لمكان إقامتهم قبل التهجير، لا يمكن أن يكون هناك اعتراف متبادل وعادل. ونعلم أن مسألة حق العودة من أهم القضايا المرفوضة من الكيان الصهيوني، ولكنها في الواقع ترفض لغرض استعماري، وهو إقامة دولة يهودية نقية، وهو تفكير يرتبط بالدور الاستعماري للكيان الصهيوني، والذي يريد الهيمنة على المنطقة، ولا يريد الاندماج فيها. وأيضا يعبر هذا الموقف عن توجه عنصري في الأساس، يرى أن هناك جنسا يهوديا نقيا، وهي ليست حقيقة تاريخية مؤكدة أو حتى مرجحة، ويحاول الحفاظ على هذا الجنس من الاندماج مع العرب. ولهذا لا يكتمل البند الأول من الاعتراف المتبادل، إلا بإقرار الكرامة الإنسانية الواحدة للعرب واليهود، والاعتراف بحق الشعوب في الوجود، وحقها في حياة حرة كريمة، ورفض كل أشكال التمييز والحض على الكراهية ضد أي طرف. وتلك في الواقع قضية مهمة، لأن الأساس العنصري للكيان اليهودي، مع أساسه الاستعماري، هو الذي يشكل المعضلة الأساسية في الصراع العربي الإسرائيلي. والبند الثاني المهم في الاعتراف المتبادل، هو إقرار حق تقرير المصير لكل من يعيش على أرض فلسطين. وهذا الأمر يرتبط بشكل الدولة التي يعيش فيها الشعب العربي واليهودي، وهي ليست الدولة القائمة حاليا، أي دولة الكيان الصهيوني، لأنها دولة الاستعمار والاحتلال، أي دولة حرب. وهنا يجب التأكيد على أن حق تقرير المصير لا يجب أن يشمل تعديا من طرف على حق الطرف الآخر. فلا يجوز أن يقرر اليهود طرد العرب من دولتهم، حتى تكون دولة يهودية نقية. والمقصود بحق تقرير المصير، هو عودة اللاجئين أولا إلى ديارهم، ثم تقرير الشعب اليهودي والعربي لشكل الدولة التي تعبر عنهما، وهل تكون دولة واحدة أم دولتين. والبند الثالث في هذا الاعتراف المتبادل، يجب أن يكون مرتبطا بالاعتراف بالانتماء للمنطقة العربية، والاحترام المتبادل لحقوق الشعوب المحيطة بفلسطين، والإقرار بحقها في العيش في سلام. ولا يقصد من هذا اعتراف اليهود بأنهم عرب، واليهود الأصليون الساميون هم عرب في الواقع، ولكن يقصد من هذا الإقرار بأن وجود اليهود في المنطقة، هو انتماء لها، ولأمنها القومي. وبدون هذه القواعد وغيرها، والتي يقوم عليها الاعتراف المتبادل، لا يمكن الحديث في الواقع عن مسألة الاعتراف، إلا إذا كان المقصود هو الاعتراف بالعدوان ودولته. [email protected]