منذ الاحتكاك العنيف بين حضارتنا الإسلامية وبين الحضارة الغربية، التي جاءت إلى بلادنا في ركاب الغزوة الاستعمارية الغربية الحديثة - التي قادها بونابرت (1729-1821) في الحملة الفرنسية على مصر (1213-1798م).. أدركت بلادنا الإسلامية أن تجديد الفكر الإسلامي وتجديد حياة المسلمين بالإسلام المتجدد، هو طوق نجاتها من التغريب والسحق الحضاري والمسخ والنسخ والتشويه الذي يهددها به الغزاة الغربيون.. ولقد عبر رائد التجديد الإسلامي في عصرنا الحديث الشيخ حسن العطار (1180-1250ه 1766 - 1835م ) عن هذه الحقيقة الحضارية -بعد احتكاكه بعلماء الحملة الفرنسية- عندما قال: «إن بلادنا لابد أن تتغير، ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها».. ومنذ ذلك التاريخ.. وعلي امتداد قرنين من الزمان، تبلور في حياتنا الفكرية تيار الإحياء والتجديد الذي انطلق من مصر، ليمتد إلى مختلف ربوع وطن العروبة وعالم الإسلام.. ولقد أدرك رواد هذا الإحياء ودعاة هذا التجديد إن أمة الإسلام تعيش مأزقاً حضاريا له جناحان: 1- تخلف موروث عن عصور التراجع الحضاري في الحقبة المملوكية والعصر العثماني 2- وهيمنة غربية استعمارية، تعمل على حراسة أمراضنا الذاتية وتخلفنا الحضاري الموروث، لتجعل التغريب هو البديل للنموذج الإسلامي في التقدم والنهوض.. ولذلك كانت معارك فكر الإحياء والتجديد التي خاضها رواد هذا التيار - الذين امتدت سلسلتهم الذهبية من رفاعة الطهطاوي (1216-1290ه 1801-1873م ) وحتى الشيخ شلتوت (1310-1383-1893-1913م) وعبر الأفغاني (1254-1314ه 1838-1897م ) ومحمد عبده (1266-1323ه 1849-1905م ) ورشيد رضا (1982-1354ه 1865-1935م ) والكواكبي (1270-1320ه 1854-1902 م) وابن باديس (1305-1359ه 1887-1940م) وغيرهم.. كانت معاركهم الفكرية على جبهتين اثنتين: أولاهما: جبهة تنقية التراث وتهذيبه، ليكون زادا للنهضة والتقدم، بدلا من أن يكون قيدا عليهما.. وثانيهما: جبهة فقه الواقع الإسلامي المتطور والمتجدد.. وتجديد معايير التفاعل الصحي بين هذا الواقع وبين الحضارات الأخرى.. هذا التفاعل الذي هو وسط بين «التبعية» وبين «الانغلاق».. ولأن الحقيقة - حقيقة أن تجديد دنيا المسلمين لا سبيل له إلا بتجديد الفكر الإسلامي كان تأكيد رواد مدرسة الإحياء والتجديد علي حقيقة أن التجديد -في الرؤية الإسلامية– ليس ترفا فكريا، ولا مجرد حق من حقوق العقل المسلم.. وإنما هو سنة من السنن وقانون من القوانين التي لا تبديل لها ولا تحويل.. فبدونه تتخلف الشريعة الإسلامية عن مواكبة المستجدات، فلا تكون صالحة لكل زمان ومكان.. ولذلك قننت السنة النبوية الشريفة هذا القانون في الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول -صلي الله عليه وسلم- "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" -رواه أبو داوود-.. ومن هنا كان تسليط الأضواء -في فكر مدرسة الأحياء والتجديد- على مشاريع التجديد الفكري في تراثنا الحضاري.. من عمر بن عبد العزيز (61-101 ه 681-720م) والشافعي (150-204ه 767-820م) وابن تيمية (661-728 ه 1263-1328م) وحتى عصرنا الحديث.. ولأن التحديات التي تواجه هذا التجديد -سواء من الجمود الداخلي.. أو التقريب الخارجي- لا تزال قائمة.. كان البحث عن سبل التجديد للفكر الإسلامي فريضة حضارية دائمة، لتحقيق المقاصد من وراء هذا التجديد..