نشأ (أبراهام لينكون) في أحد مزارع (هودجن فيل) بولاية (كنتاكي) وفي سن التاسعة رحلت أمه عن الحياة وتزوج أبوه، الذي كان فقيراً معدماً لم يستطع تحمل نفقته الدراسية التي قضى منها عاماً ، فيخرج لينكولن منها ويعمل في أحد المزارع القريبة ، كي يساعد والده الفقير..ورغم هذه العوائق والعمل من أجل تحصيل قوت الأسرة، كان (أبراهام لينكون) محباً للتعلم والثقافة، وكان نهماً في القراءة،يقرأ كل ما يقع تحت يديه من الكتب والمراجع الكبيرة، وتثقف في القانون إلى أن أصبح محامياً وحظي بعضوية نقابة المحامين ..ودخل معترك السياسة، ووضع منصب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية هدفاً يسعى إلى تحقيقه.. لم يكن (لينكولن) واسع الخيال أو جامح الطموح وإنما كان يعرف قدراته ويؤمن بها،كما كان حكيماً بصيراً سديد الرأي ، يدرك تماماً معنى الحياة ، ويعرف ماهية الإنسان ،وهو ما أهله للنجاح والظهور، وتحقيق مآربه في الحياة ..كان أبرز ما يُميزه هو كيفية تعامله مع الفشل.. فقد كان يرى أن الطريقة المثلى أن تبدأ من جديد!! في الوقت الذي ينهار فيه الكثيرون ممن تسود الدنيا في أعينهم حينما يفشلون ، ويظنون أن أقدارهم البئيسة لا يمكن تجاوزها لحالة أفضل وصورة أجدى.! وإياك أن تظن أيها القاريء أن (أبراهام لينكون) هو ذلك الرجل الناجح الذي لم تعرف حياته الفشل، وكان ينال منها كل يريد دون عقبات أو مصاعب؟! إن العثرات التي مُني بها في طريقه كانت كثيرة ، والعقابيل التي اعترضته كانت كبيرة، لكنه أبدا لم ينظر إليها كما ينظر البعض بأنها السقوط والنهاية.. كانت هناك حياة حافلة بتجارب فاشلة وأحداث حزينة ، قبل تحقيق هذا الإنجاز العظيم .. 1831 فشل (لينكولن) في مجال الأعمال . 1835 رحلت خطيبته عن عالم الأحياء . 1836 يواجه لينكولن انهيارا عصبيا . 1843 خاض انتخابات الكونجرس وفشل . 1848 يدخل سباق الانتخابات مرة أخرى و يفشل . 1855 خاض انتخابات مجلس الشيوخ و ويخسر . 1856 خاض انتخابات نائب الرئيس ، و فشل أيضا. 1859 خاض انتخابات مجلس الشيوخ مرة أخرى وينهزم. 1860 انتخب لينكولن رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية !! ويتحقق الحلم وينتصر وينجح بعد طول إخفاق. وهكذا أكثر من مرة يعترضه الفشل، لكنه لا يحبطه، ليقينه أن هذه طبيعة في الحياة، ويمكن تجاوزها لأفضل منها، كان يؤمن أن الإخفاق لا يعني النهاية ..وأن الحياة مازالت مستمرة تدعوك للتجربة مرة أخرى.."وحينما رشح نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية (الينوي) لكنه خسر الانتخابات أمام المرشح المنافس (دوجلاس) ب 46 صوتاً مقابل 54 صوتاً لمنافسه ويوم ظهور النتيجة عاد إلى بيته ماشياً في الطرق المظلمة إلا أنه تمالك نفسه وشد جسمه العملاق وهو يقول لنفسه بصوت مسموع : إنها زلة وليست سقوطاً! مشيراً بذلك إلى تعرضه للسقوط على الأرض وإلى هزيمته أيضاً أمام منافسه في الانتخابات ، وحققت الأيام نبوءته ، فلقد ذاع اسمه في البلاد بسبب مظاهراته مع منافسه في هذه الانتخابات التي خسرها وبدأ كثيرون يطالبونه بالترشح للرئاسة ، وفاز بترشيح الحزب الجمهوري له لانتخابات الرئاسة وخاض المعركة بالفعل وكان خصمه الأساسي فيها هو (دوجلاس) نفسه الذي هزمه في انتخابات الشيوخ ، ولكنه انتصر عليه هذه المرة ، وتحققت النبوءة بأنها كانت زلة ولم تكن سقوطاً ولا فشلاً نهائياً." وكما قيل :"الناجحون الحقيقيون هم الأشخاص الذين يحتفظون بقدرتهم على الحماس للحياة حتى النهاية، والذين يحددون أهدافهم بوضوح ويسعون وراءها بدأب كما يسعى القط وراء الفأر الذي يطارده" على حد تعبير بنجامين فرانكلين، وذلك أن من يعرف ما يريد لا تهزه الصدمات ولا يفقده الفشل شجاعته وإيمانه بربه ونفسه وقدراته ، وإنما يحفزه الفشل إلى تكرار المحاولة مرة بعد مرة أخرى أملاً في بلوغ الأهداف" ومن أجل هذا استمر (لينكولن) ونجح وحقق أهدافه..حينما توهجت نفسه بالأمل ، وفاح منها التفاؤل.. أما اليائسون المحبطون ضعاف النفوس.. فلا حياة لهم مع أول عاصفة تعترضهم فتمزق حاضرهم ومستقبلهم.