زيادة مخصصات الصحة والتعليم.. جذب الاستثمارات.. ودعم محدودى الدخل    محافظ دمياط تشهد افتتاح 6 مدارس بمركز فارسكور    كيف تفرق بين النقود الحقيقية والمزورة؟    حماس: الاحتلال يواصل اعتقال أكثر من 200 طفل يواجهون ظروف تعذيب قاسية    بايدن: ترامب «مجرم مدان» يسعى للرئاسة    هل وصلت إيران للقنبلة النووية بالفعل؟    مصادر تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين موسكو والخرطوم    تدريبات تأهيلية للزناري على هامش ودية الزمالك والنصر    فرنسا وإنجلترا تتصدران الترشيحات للفوز ب«يورو 2024»    حجازي: استمرار المراجعات النهائية بالمديريات التعليمية أثناء فترة الامتحانات    أحمد حلمي يهدي تكريمه بمهرجان روتردام للفيلم العربي إلى فيلم اللد الفلسطيني    مهرجان جمعية الفيلم يحتفل بمئوية عبدالمنعم إبراهيم    فصائل فلسطينية: قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغلة بمحيط تل زعرب    الصحة توجه نصائح للحجاج لتجنب الإصابة بالأمراض    رئيس هيئة الدواء يشارك في ندوة «اعتماد المستحضرات الصيدلية» التي نظمتها الهيئة بالتعاون مع الشراء الموحد    شقيق المواطن السعودي المفقود هتان شطا: «رفقاً بنا وبأمه وابنته»    إجلاء مئات المواطنين هربا من ثوران بركان جبل كانلاون في الفلبين    القائد العام للقوات المسلحة يفتتح أعمال التطوير لأحد مراكز التدريب بإدارة التعليم والتدريب المهنى للقوات المسلحة    المؤتمر الطبي الأفريقي يناقش التجربة المصرية في زراعة الكبد    أرجوكي يا حكومة ده مينفعش.. رسالة قوية من عزة مصطفى بشأن زيادة ساعات انقطاع الكهرباء    خالد الجندي يوضح فضل العشر الأوائل من ذي الحجة (فيديو)    حسام حسن: لم أكن أرغب في الأهلي وأرحب بالانتقال للزمالك    نواب يمينيون حاولو عرقلة مؤتمر بالكنيست بشأن الاعتراف بدولة فلسطين    لاستكمال المنظومة الصحية.. جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق    وزير الخارجية الإيطالي: لم نأذن باستخدام أسلحتنا خارج الأراضي الأوكرانية    رسميًا.. طرح شيري تيجو 7 موديل 2025 المجمعة في مصر (أسعار ومواصفات)    خالد الغندور يرد على اعتذار سيد عبدالحفيظ    المنتج محمد فوزى عن الراحل محمود عبد العزيز: كان صديقا عزيزا وغاليا ولن يعوض    الداخلية تواصل تفويج حجاج القرعة إلى المدينة المنورة وسط إشادات بالتنظيم (فيديو)    حتي الأن .. فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحصد 58.8 مليون جنيه إيرادات    لحسم الصفقة .. الأهلي يتفاوض مع مدافع الدحيل حول الراتب السنوي    فليك يضع شرط حاسم للموافقة على بيع دي يونج    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة مع نهاية تعاملات اليوم الثلاثاء    نيمار: فينيسيوس سيفوز بالكرة الذهبية هذا العام    عيد الأضحى 2024| ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟    حكم صيام ثالث أيام عيد الأضحى.. محرم لهذا السبب    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    التحفظ على المطرب أحمد جمال بعدما صدم شخص بسيارته بطريق الفيوم الصحراوى    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    طريقة عمل المبكبكة، لغداء شهي سريع التحضير    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    تعليمات عاجلة من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2024 (مستند)    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    إصابة 4 أشخاص في حادث سير بالمنيا    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    أمير هشام: كولر يملك عرضين من السعودية وآخر من الإمارات والمدرب مستقر حتى الآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية ضبط المفاهيم
نشر في المصريون يوم 06 - 07 - 2010

تمثل المفاهيم اللبنات الأساسية التي تتكون منها الحقول المعرفية والأطر النظرية لمختلف العلوم النظرية منها والبحتة؛ فالمفاهيم هي مجردات تنظّم عالم الأفكار؛ والمفاهيم جزء من المنهج وأداة له؛ تستبطن مقولاته وتعكس مضامينه وتعبر عن فلسفته في إدراك المعارف؛ وهي تتضمن رؤية فلسفية للإنسان والكون والحياة؛ ولا يمكن تصور أي تواصل لُغوي بين الناس إلا عن طريق المفاهيم وبها، إذ هي جوهر اللغة الطبيعية العادية ولب اللغة العلمية وأداتها في التعبير عن مضامينها؛ وإن كانت اللغة ليست مجرد أداة رمزية للتواصل بين الناس؛ إنما هي جوهر التفاعل الحضاري.
وبالمفاهيم يفرّق الإنسان بين مستويات الأفكار من حيث السطحية والعمق؛ ودرجات الأشياء من حيث القوة والضعف؛ وتداعيات الحوادث من حيث أسبابها ونتائجها؛ والمفاهيم لا تشتغل ولا تعمل في فراغ؛ بل إنها لا يمكن تفعيلها إلا في إطار أنساق معرفية؛ ذلك أن تحليل البنية المعرفية لمحتوى أية حضارة يرتكز على ثلاثة عناصر هي: المفاهيم، والعلاقات التي تؤلف من هذه المفاهيم حقلاً معرفيا، والعلاقات التي تشكل من هذه الحقول المعرفية نسقا أو إطارا نظريا؛ وتطور العلوم لا يكون إلا بتحولات نوعية في النمط الفكري السائد أو ما يطلق عليه في نظريات المعرفة ب Paradigm Shift كما يؤكد على ذلك توماس كون أول من استخدم مفهوم "تحول البارادايم" في كتابه "بنية الثورات العلمية" الذي ألفه عام 1962م، ليفسر به عملية ونتيجة التغيير التي تحدث ضمن المقدمات والفرضيات الأساسية لنظرية لها القيادة للعلم في مرحلة محددة من الزمن.
لذا تحتل المفاهيم موقع حجر الزاوية من البناء الفكري لأي نسق معرفي؛ لأن أهم وظائف المفاهيم هو بناء وتصنيف المعرفة العلمية وتنظيمها وتعليمها وتعلمها؛ وإدراك العلاقات بين الظواهر ومحاولة الخروج بتعميمات علمية تمكنا من استقراء المستقبل واستشرافه على نحو يسمح ببناء رؤى ذات مقدرة أكثر تفسيرية على إصلاح واقع الأمة. فالفرق بين العلم والجهل هو الفارق بين الحروج بتعميمات عليمة منضبطة عبر سبر وتقسيم دقيق للظواهر؛ وبين تعميم ظالم يهدر الفروق والاختلافات ويتعامى عن الأشباه والنظائر.
وللمفهوم مجالات يتحرك فيها؛ وشبكة فكرية ينسج علاقاتها، ومنظومة مفاهيمية يتم استدعائها، وخريطة إدراكية توضح تضاريسه؛ وتبدلات وتحولات يمكن أن نطلق عليها "حراك مفهومي"، تنتقل به المفاهيم في رؤيتنا المعرفية من المركز إلى الأطراف والعكس؛ ولا بد للتعامل مع المفاهيم من إدراك القيم والمسلمات الأساسية التي تنطلق منها؛ والفلسفة التي تنطوي عليها أو ما يمكن أن نطلق عليه: "أرضية المفهوم" ومن ثم يجب علينا معرفة على أي أرض نقف؛ وأي فلسفة نستبطن؛ وأي مفاهيم نستخدم، وأي رؤية نُحَكِّّم؟ إنها شبكة كاملة من المتطلبات التي تساعد في أن تخرج أحكامنا من الظن والهوى إلى الصدق والعدل وهما شرطان لازمان تمت بهما كلمة ربك. وله المثل الأعلى.
ومن المهم في التعامل مع المفاهيم تبيان قدرتها على تفسير الواقع الذي تتحرك فيه ومن ثم نجد أن المفاهيم ذات الجذور الغربية أو العلمانية قدرتها محدودة على تفسير واقع المجتمعات العربية والإسلامية لأنها مفاهيم منبتة الصلة بتلك الأرض وهي خارج سياقها الاجتماعي والسياسي، ولا يمكن أن تجيب على أسئلة واقع لم تعيشه ولم تولد في رحمها الحضاري. وبغير ذلك لا يمكن أن نفهم عمليات فصل الدين عن منظومة الحياة التي تمت في السياق الغربي؛ وبها نفهم مدى جهل وظلم هؤلاء الذين يريدون نقل التجربة الغربية في العلاقة بين الدين ودوره في حياة المجتمعات من سياقها المحدد في البيئة الغربية إلى واقع مجتمعات مختلفة تماما ولم تشهد ذلك الصراع بين الكهنوت والسلطات الكنسية من جهة والدولة أو السلطة الزمانية من جهة أخرى؛ فضلا عن طبيعة دين مختلفة دين مختلفة تماما من حيث صحة المصدرية والحفظ من التحريف وتدخلات البشر.
وعلى المسلمين أن يعوا تماما دور العلماء في الكشف عن ما يعتقدون أنه حكم الله في الوقائع والحوادث؛ ويدركون أنه اجتهاد بشري يخضع للصواب والخطأ وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا المقام كما كان يقول الإمام الشافعي ويشير إلى قبر الرسول صلوات ربي وتسلماته عليه. وتلك العملية من تحديد مجالات معينة للعلماء هي مناط عملهم ودائرة حركتهم وهي تحديد مدى شرعية الاعمال وعدم توغلهم أو محاولاتهم في السيطرة على مقاليد المجتمعات أو إفتاءهم في أمور دنيا الناس الذين –أي الناس – هم أعلم بشئونها؛ هي ما كان أستاذنا عبد الوهاب المسيري رحمه الله يطلق عليها العلمانية الجزئية.
إن غموض المفاهيم وتشوشها ربما كان السبب الأساس وراء أغلب سجالاتنا الفكرية في عالمنا العربي والإسلامي؛ وخلافات كثير من المثقفين هي في جوهرها تعبير عن حالة من التشوش المفهومي وعدم تعريفهم الجامع المانع لما يستخدمونه من مفاهيم ومصطلحات، وبذلك تحولت المفاهيم من كونها أدوات للتواصل إلى أهم معيقاته.
ولأهمية المفاهيم وخطورتها في إحداث التغيير الفكري والتحول الحضاري الذي ننشده لأمتنا، فإن توضيحها يجب أن يأتي في مقدمة أولويات الفكر الإسلامي المعاصر؛ فأول ما تصاب به الأمم في أطوار وهدتها الحضارية مفاهيمها؛ والمفاهيم - كذلك- أول ما يتأثر بعمليات الصراع الفكري.
إن المفهوم الإسلامي للسياسة هو القيام على الشيء بما يصلحه وفي غيبة مفاهيم الأمة والشهود الحضاري تحولت السياسة إلى مفاهيم النفوذ والقوة والخداع والمكر، وتحولت السياسة من كونها أشرف العلوم في التصور الإسلامي إلى صورة ذهنية شائهة في التصور العام عند كثير من جموع المسلمين؛ بل وإلى ممارسات منكرة عند نخبتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.