صعدت الإدارة الأمريكية من جديد ضد الحكومة الجديدة فى مصر، حيث أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن العلاقات المصرية الأمريكية لن تعود إلى طبيعتها مرة ثانية، ملوحًا بإعادة النظر فى تقييم العلاقات بين القاهرةوواشنطن، بما فيها المعونات الأمريكية لمصر. وعلى صعيد آخر، طالبت 12 دولة من دول الاتحاد الأوروبى البالغ عددها 28 دولة، بقطع المساعدات عن مصر، والبالغ قيمتها نحو خمسة مليارات دولار تقدم لمصر سنويًا فى صورة قروض ومعونات ومنح، حيث طالبت الدنمارك، والنمسا وإسبانيا وألمانيا وأيرلندا وبلجيكا وبولندا والتشيك وفرنسا ولوكسمبورج والمملكة المتحدة واليونان بقطع كل أنواع المساعدات الأوروبية لمصر لحين وقف الدماء وعودة العملية إلى الديمقراطية، وانتخاب رئيس وبرلمان جديد لمصر، إلا أن هذا القرار تم رفضه من قبل باقى أعضاء الاتحاد الأوروبى الذين رفضوا توقيع أى عقوبات ضد مصر، نظرًا لطبيعة العلاقات والمشروعات المتبادلة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل يؤثر قطع المعونات عن مصر فى الاقتصاد القومى للبلاد؟
* * خبراء: قطع المعونات الأجنبية يضر بأمريكا ويخدم الاقتصاد المصرى **
جودة: إلغاء للنفوذ الأمريكى بالمنطقة ويعيد التوازن السياسى والاقتصادى لمصر فى البداية، يقول الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادى ومدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إن قطع المعونة الأمريكية أو الأوروبية عن مصر يضر الغرب ويعود بالنفع على الاقتصاد القومى للبلاد. وأضاف: بدأت قصة المعونة الأمريكية لمصر مع وصول الرئيس الأمريكى جون كيندى للبيت الأبيض فى الستينيات من القرن الماضي، حيث كان يعتقد أنه من الأفضل للولايات المتحدة انتهاج سياسة الوفاق مع مصر بدلاً من سياسة المواجهة والعداء، فقام بإرسال رسالة إلى جمال عبدالناصر يبلغه فيها حرصه على الصداقة معه ومع شعب مصر، وأنه قرر منح مصر معونة قدرها 40 مليون دولار أمريكى سنوياً عربوناً لهذه الصداقة، علماً بأن هذه المعونة كانت عبارة عن فائض المنتجات الزراعية الأمريكية. وقد قبل الرئيس عبد الناصر هذه المعونة، بشرط ألا تتدخل فى صلب الموازنة العامة، كما أوصى خالد محيى الدين أحد الضباط الأحرار وزعيم حزب التجمع فيما بعد، وألا يعتمد عليها كجزء من موارد الدولة، وبعد سنوات قليلة تم قطع هذه المعونة قبل بدء حرب 1967من قبل الرئيس الأمريكى جونسون، ثم عادت مرة أخرى عام 76 ضمن برنامج خاص بعد التحول فى السياسة الرسمية المصرية، وما أعقبه من التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، وقد قدرت المعونة الأمريكية لمصر خلال ال30 سنة السابقة بنحو 30 مليار دولار، ولم تتلق مصر منها سوى مبلغ ضئيل، بينما حققت أمريكا لنفس الفترة فائضاً تجارياً مع مصر نحو 45 مليار دولار. ولم تزد قيمة الصادرات المصرية لأمريكا على 7.6 مليار دولار، وبلغت الصادرات الأمريكية لمصر أكثر من 55 ملياراً وقد ساعد برنامج المعونة على فتح السوق المصرى للسلع الأمريكية التى أصبح لها الأفضلية، رغم ارتفاع أسعارها عن مثيلاتها الآسيوية. وقد كشف تقرير لوزارة التخطيط المصرية أن حوالى 40% من المعونة الأمريكية لمصر طوال السنوات ال26 الماضية، وهى الفترة الزمنية التى تناولها التقرير، وأن ما يعادل 8.6 مليار دولار من أصل 25 مليار تذهب لشركات أمريكية فى صورة استيراد سلع وخدمات من أمريكا، وأن الصافى النهائى الذى تحصل عليه مصر لا يزيد عن ثلث إجمالى المعونة، وتدرك الولايات أن رسم خريطتها الجديدة فى المنطقة يتوقف على إضعاف أى دولة رائدة أو محورية يمكن أن تمثل مصدر قلق لسياستها، أو لمخططات ربيبتها إسرائيل، ولهذا دائماً ما تستخدم المعونات كوسيلة ضغط وابتزاز للحكومة المصرية. وأضاف جودة، أن مسئولى المشتريات العسكرية فى الكونجرس الأمريكى أكدوا، أن قطع المساعدات العسكرية سيورط الإدارة الأمريكية فى معركة تعاقدية مع شركات الأسلحة الأمريكية، حيث ترتبط مصر بعقود مع هذه الشركات حتى عام 2018، بموجب ائتمان نقدى تعهدت به واشنطن، فإن إلغاء الصفقة سيجبر الحكومة الأمريكية على تحمل عقوبات تبلغ قيمتها نحو 2 مليار دولار. وأضاف أن مصر بإمكانها الاستغناء عن المساعدات الغربية بالمساعدات العربية وبعض المساعدات الأجنبية، وفى مقدمتها المساعدات التى ستتدفق من روسيا والصين والبرازيل، فضلاً عن إعادة النظر فى بنود الموازنة المصرية. وأضاف الدكتور صلاح جودة، أن المعونة الأمريكية أصبحت عبئًا يثقل كاهل مصر وأصبحت ورقة ضغط للإدارة الأمريكية تهدد بها الحكومات المصرية من وقت لآخر، مشددًا على أن التخلى عن المعونة الأمريكية فى صالح مصر وليس ضد مصالحها، حيث إن نسبة استفادة مصر من قيمة المعونة الأمريكية لا يتعدى 30% فقط من إجمالى أموال المنحة، بينما يعود نحو 70% من أموال المنحة لواشنطن، كما أن أموال المنح الأمريكية تستخدم فى انتهاك السيادة المصرية على أراضيها والتدخل فى الشأن الداخلى للبلاد وإجبار الحكومة المصرية على شراء السلع والخدمات بأضعاف أسعارها من أمريكا لتنشيط الاقتصاد الأمريكى على حساب الاقتصاد المصري. وشدد جودة على أن واشنطن كانت تجبر مصر خلال العقود الماضية على استيراد سلع غذائية وصناعية وعسكرية بنحو 30 مليار دولار سنويًا مقابل استمرار المعونة الأمريكية، وهو ما جعل الاقتصاد المصرى تابعًا للاقتصاد الأمريكي، كما أن واشنطن أجبرت القاهرة على تعويم الجنيه وتنفيذ مشروع الخصخصة كشرط أساسى لاستمرار المعونة الأمريكية لمصر، مما تسبب فى تكبيد الاقتصاد المصرى خسائر بلغت نحو 2 مليار دولار تقريبًا، فضلاً عن تشريد آلاف العمال المصريين.
ومن جانبه، قال الدكتور محمد جلال أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن المساعدات الأمريكية لن تؤثر على مصر إذا تم قطعها، وأن الشعب المصرى يستطيع أن يتحمل وأن يصبر على ذلك، مشيرًا إلى أن الدول العربية الشقيقة دعمت مصر بمليارات الدولارات لإنعاش الاقتصاد المصري، وتم ضخ بعض هذه المساعدات بالفعل ودخولها إلى الخزانة المصرية. وأضاف جلال، أن مصر بعد 30 يونيه تنتظر استثمارات عربية وأوروبية هائلة، كما أن هناك عددًا كبيرًا من المستثمرين المصريين يتشوقون للعودة لمصر، كما أن جميع دول الخليج، وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية تساند مصر وتدعمها بكل ما تملك، كما أنها أعلنت عقب ثورة 30 يونيه عن دعم مصر بنحو 12 مليار دولار، ولكنها تنتظر عودة الهدوء إلى القاهرة. ومن جانبه، قال الدكتور عادل منصور أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة، إن دعم الدول العربية للموقف المصرى شكل حائط صد منيعًا لأى محاولات خارجية للتدخل فى الشأن الداخلى المصري، مضيفًا أن المساعدات التى عرضتها دول الخليج على مصر أكبر بكثير من إجمالى المساعدات الأجنبية لمصر، حيث إن جميع الدول الغربية تمنح مصر نحو 5 مليارات دولار أغلبها بشروط مجحفة ومطالب تنقص من السيادة المصرية على أراضيها، أما المنح والمساعدات العربية فأغلبها منح شقيقة بدون شروط مجحفة وبدون أى تدخل فى الشأن الداخلى المصرى، بل بالعكس إن الهدف منها هو منع التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية. وأشار منصور إلى أن التأثير الوحيد فى حالة قطع المعونات الغربية عن مصر، سيكون فى حجم المساعدات العسكرية المقدمة لمصر من أمريكا، وبعض الدول الغربية، وهى نسبة ضئيلة لا تذكر، لأن نسبة الاستفادة من المعونة العسكرية لا يتعدى 2.5% من إجمالى المساعدات التى تقدم لمصر، حيث تعود قيمة المنحة بالكامل للدول المناحة فى صورة شراء سلع وخدمات تابعة ومكملة للمنحة.
أقرأ أيضا : * "المعونة" تهدد معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب * 30 مليار دولار.. فاتورة المعونة الأمريكية لمصر سنويًا