يبدو أن خيارات جماعة الإخوان المسلمين في مصر في مواجهة الحملة التي تتعرض لها من قبل السلطة، تكاد تنحصر في العودة الى العمل السري، أو الانقسام ونزوح بعض قياداتها نحو تشدد أكبر، بحسب ما يرى مراقبون. وبحسب تقرير لوكالة الأنباء "الفرنسية"، تخوض الجماعة التي تأسست في العام 1928 مواجهة دامية مع السلطة المؤقتة، التي عينها الجيش إثر عزله الرئيس محمد مرسي الذي أتت به إلى السلطة، في يوليو الماضي.
وخلال هذه الحملة التي احتدمت منذ فض الاعتصامين المطالبين بعودة مرسي الى الحكم، الاربعاء الماضي، القي القبض على العديد من ابرز قيادات الجماعة، وعلى رأسهم مرشدها العام محمد بديع الذي اعتقل فجر الثلاثاء، بينما لا يزال آخرون يتعرضون للملاحقة.
ويقول كريم بيطار من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس لوكالة فرانس برس إن جماعة الاخوان المسلمين "التي تعمل ضمن تنظيم هرمي"، تواجه اليوم "مشكلة تنظيمية".
ويبدو ذلك جليا في ضعف الاستجابة للدعوات التي يطلقها ائتلاف الاسلاميين الرئيسي، "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، للتظاهر يوميا في مواجهة قوات أمنية تحظى بغطاء رسمي لاستخدام الرصاص الحي.
وفي وقت تواجه الجماعة خطر العزل القانوني، تبدو ابرز خياراتها بحسب ما يرى مدير المعهد الفرنسي للشرق الادنى فرنسوا بورجا هي "نفسها تلك التي مارستها لوقت طويل، وبينها العمل السري".
ويقول بورجا الخبير في الجماعات الإسلامية إن الجيش سيتمكن من "شل مركز صنع القرار لدى (جماعة) الاخوان لكن ليس الى حد إخراج فريق يملك قاعدة شعبية قوية قديمة، من المعادلة".
وقدمت جماعة الاخوان المسلمين عقب القاء القبض على بديع مثالا حيال قدرتها على التحدي، حيث أعلنت تسليم منصب المرشد العام بشكل مؤقت الى نائبه محمود عزت (69 عاما)، الذي ينظر اليه على انه احد اهم صقور التيار المتشدد.
وكانت جماعة الاخوان المسلمين خرجت من العمل السري الى العلني والمباشر عبر تشكل حزب "الحرية والعدالة"، وذلك بعد ثورة 2011 التي لم تكن حاضرة اصلا في بدايتها، قبل ان تجعل منها جسرا للعبور نحو الرئاسة.
ولم تصمد جماعة الإخوان المسلمين في السلطة لأكثر من عام، حين واجهت موجة تظاهرات شعبية حاشدة طالبت برحيل مرسي من الرئاسة، متهمة اياه بالسعي لوضع كل مفاصل الدولة في ايدي الاخوان، وبالفشل في تحسين الاوضاع الاقتصادية.
وقد استند الجيش الى هذا الاحتجاج الشعبي ليقوم بعزل الرئيس الاسلامي في يوليو بعد سنة فقط على توليه منصبه.
ويرى بيطار ان على جماعة الاخوان المسلمين ان تخضع نفسها لفترة "دراسة طويلة تستخلص خلالها الدروس من فشل مرسي" وتعيد مراجعة استراتيجيتها التي برهنت عن عجز في "التحول من ثقافة العمل السري الى ثقافة الحكم".
ويوضح ان جماعة الإخوان المسلمين "أظهرت بوادر طائفية في عملها وسعت الى جمع كل السلطات في يدها خشية ان تفقدها مجددا".
وقبيل الدخول في مرحلة تحديد الاستراتيجية الجديدة، قد تسعى جماعة الإخوان الى اعادة تنظيم صفوفها أولا، والعمل على اعادة تفعيل شبكتها التنظيمية التي تشمل آلاف المناصرين.
ويقول بيطار انه اذا لم تفرض ضوابط معينة على اعضاء الجماعة "فإننا قد نشهد انحرافا لدى بعض الافراد نحو العنف"، مشيرا الى ان هؤلاء "سيتساءلون فيما اذا كان الانخراط السابق في اللعبة الديموقراطية، خطأ".
واشتدت منذ عزل مرسي في الثالث من يوليو ضربات المتشددين الاسلاميين في شبه جزيرة سيناء المضطربة، التي شهدت عدة هجمات دامية ضد قوات الامن بينها هجوم قتل فيه 25 من عناصر الشرطة الاثنين.
وتحظى حملة السلطات المؤقتة ضد جماعة الإخوان تحت شعار "مصر تكافح الارهاب"، تأييد لاعبين اقليميين رئيسيين، بينهم السعودية، فيما مقابل انتقادات من قبل دول اخرى مثل قطر وتركيا.
ويقول بيطار ان "الدعم الذي تقدمه قطر وتركيا (الى الاسلاميين) لا يوازي ثقل الدعم الذي توفره السعودية، التي تحمل تجاههم كراهية كبيرة، وكذلك اسرائيل التي تفضل التعامل مع الجيش".
غير أن دموية الحملة التي تتعرض لها تظاهرات جماعة الاخوان المسلمين من قبل السلطة حاليا قد يتيح للجماعة ان تستخدمها كورقة في سبيل استدراج عطف أكبر، خصوصا بعد مقتل المئات من أنصارها على مدى أسبوع، وبينهم أبناء قيادات فيها، كمحمد بديع الذي قتل نجله الجمعة الماضي.
ويرى بيطار أنه بسبب "الاستياء الحالي قد تتمكن الجماعة من جديد من الاستفادة من صورة الضحية، بعد ان فقدت سمعتها خلال الفترة التي استلمت فيها الحكم". ويشير بورجا الى انه مهما كانت طبيعة الاجراءات العقابية التي ستتخذها السلطات، فإنها لن تشكل سوى محطة اخرى في تاريخ هذه الجماعة خاصة والإسلام السياسي عامة.
ويقول بيطار في هذا السياق "هم (الإسلاميون) عايشوا الكثير من حلقات الاضطهاد، وخرجوا منها أكثر قوة".