الوجه هو أعلي الرأس وهو عنوان الإنسان ، فأنت تقرأ الإنسان من وجهه ، وأعتقد أن الوجه له علاقة بمقصد الإنسان والجهة التي يولي وجهه نحوها فهو من يقود الجسد في النهاية نحو الجهة التي يريدها . والفراسة علم قراءة الوجه وما يخفي وراءه حيث تكتنز النفس أسرارها وتتكتم خباياها ، ومسألة التغيير في مصر هي مطلب جماهيري قديم ، وهو مطلب قديم للنخبة المصرية أيضا ، وتعد حركة كفاية " الحركة المصرية من أجل التغيير " هي من رفعت شعار لا للتوريث ولا للتمديد لما ظهر في الأفق سيناريوهات ماكرة ستقود البلد نحو استمرار مؤبد للسلطة يكرهه الجميع ، أو توريث السلطة التي هي شأن عام لا يجوز توريثه كما لو كان ملكا خاصا . وارتفع سقف المطالب الاجتماعية والسياسية المطالبة بالتغيير في مصر بشكل قوي وواضح منذ عام 2004 ، كما ظهرت الحركات الاحتجاجية المطالبة بمطالب اجتماعية ذات طابع فئوي للعمال أو الأطباء أو المحامين أو الموظفين أو الصحفيين . ثم خبي صوت حركة كفاية وتنازعتها الأهواء والأنواء بعد كانت إلهاما لكل الحالمين بالتغيير ، ثم ظهرت حركة شباب 6 إبريل عام 2008 إبان الإضراب الذي دعا إليه عمال غزل المحلة وأذكر أن الناس في مصر تصوروا أن دعوة الحركة إلي الإضراب ستقود لحالة عصيان مدني عام وأن تغيير النظام السياسي قادم بعدها ، لذا كنت أسأل الناس يومها عن الإضراب فكلهم كان يعرفه ويتابعه وهو ما نطلق عليه في العلوم الاجتماعية شيوع المعتقد العام بالتغيير . بيد إن الحركة هي الأخري خبي صوتها وتواري ألقها ، ثم سمعنا عن الجمعية الوطنية للتغيير والتي تطرح نفسها كإطار عام للتغيير ، ثم جاء البرادعي وكان مجيئه مصدر بث الروح في حركة التغيير التي تعدد ناطقوها وتعددت الأطر العاملة في مجال التغيير بشكل كبير ، وكل إطار يطرح وجهة وفلسفة وسياقا مختلفا ، ثم سمعنا عن الفصل بين الجمعية وحركة البرادعي ، وكل يوم نسمع عن استقالات وعن أشخاص يمنحون أنفسهم صفات وألقاب ، وحدثني بعض الأصدقاء عن التوقيع علي بيان البرادعي بيد إنني قلت له إنني لا أعرف الر جل ولا أعرف مشروعه صحيح أنني مع المطالب السبعة التي يطرحها ولكن القصية ليست مسألة طرح أفكار مكتوبة وجيدة ومجردة وإنما المسألة الرئيسية هي كيف يمكن طرح برنامج حقيقي لتحويل تلك الأفكار إلي مشروع يمكنه أن يتواصل مع الناس لتشعر به وتحس بمعناه . كانت هناك خبرات متنوعة للتغيير في مصر اقتربت منها مرات متعددة وكان أخطر ما تتعرض له تلك الخبرات علي الإطلاق ... تلك النزعات الشخصية والطموحات الذاتية للقائمين علي أمر مسألة التغيير في مصر ..هناك تضخم في الذات لدي قطاع واسع من النخبة كل منهم يحدث نفسه بأن لحظة التغيير حانت وأنه وحده المؤهل ليكون هو قائدها وزعيمها ، أو أن يكون هو الأحق بها وأهلها . شعور النخبة التي تقود التغيير في مصر والتي هي وجه التغيير الذي أقصده هنا- بأنها ذات طابع ملهم وأن قواها الكارزيمية هي التي يجب أن تجعلها في الصدارة فهي محاطة بصفات خاصة تمنحها الحق في القيادة ، هذا الشعور هو الذي يقود إلي تفتت حركة التغيير وظهور وجهها وهو عنوان لها أمام الناس بأنها أقل صدقية . لا توجد روح الإجماع لدي تلك النخية فحديث السرار يجعلها تسر لنفسها أنها أفضل من ذلك الذي يجتمع الناس عليه ، فالبرادعي كان فرصة مهمة لتلك القوي الذابلة أن تبث فيها الروح ويصبح هو محورا للالتقاء عليه والاجتماع حوله خاصة وأن الرجل يملك كارزيما مختلفة عن تلك التي عرفناها في الحركة الوطنية المصرية سواء تلك التي تنحدر من اليسار أو اليمين . بيد إن روح الشقاق دبت في صفوف من التفوا حول الرجل والتقطوا الصور معه شاهدة عليهم جميعا وأصبح الرجل يتحرك وحده بعيدا عن الجمعية الوطنية للتغيير ، والتي يهاجمها في نفس الوقت المنسق العام لحركة كفاية . ومع اقتراب الرجل من حركة الإخوان والتقائه بالكتلة البرلمانية للإخوان فإننا نلاحظ أن هناك انقساما داخل الإخوان حول الموقف من البرادعي فبينما يري التيار الإصلاحي العمل معه والاقتراب إليه يري التيار المحافظ ضرورة التريث ومعرفة مواضع الأقدام والخطي ، وبالطبع الإخوان هم أحد القوي الكبري في الشارع والتي لا يمكن لأية حركة تجاهلها ، بيد إن الحركة تسعي لمد النظر تجاه مشهد التغيير دون الخوض في المشروع الحقيقي والنضال من أجله تحت مظلة أخري أيا كانت . نحن أمام تمزقات وتصريحات وتصريحات مضادة وكأن الصحف والفضائيات هي مجال الفعل السياسي وليست الحركة في وسط الشارع والجماهير . وجه حركة التغيير في مصر يحتاج إلي التوحد علي كلمة سواء وذلك لن يكون بدون التحلي بنزعة إيثار وتواضع وزهد وإنزال النفس والناس منازلهم .