في مقالي بالأمس لم أقدم إجابة على السؤال الذي طرحته : ماذا لو حكمونا المتطرفون العلمانيون ؟! أردت من كلامي أمس أن أبين أنه ليس ثمة تلازم حتمي ومقدس بين العلمانية والديمقراطية أو العلمانية والحرية ، سيما وأن التجارب بينت أن العلمانيين ليسوا ديمقراطيين . التجربة الديمقراطية الغربية ذاتها تتراجع أمام المد الإسلامي ، لم تستطع تحمله أو قبوله أو احترامه باعتباره "الآخر" المخالف ، وفي العالم العربي أعتى الديكتاتوريات اللينينية ظهرت في حضانة نظم علمانية معادية للدين . تجربة "فتح" العلمانية في فلسطين ، بلغت مبلغ التآمر على الشعب الفلسطيني لإجهاض تجربته الديمقراطية الوليدة ، ولإيهامه بسوء اختياره ، ليس من خلال ترك تجربة حماس لتأخذ فرصتها الحرة والطبيعية ، ولكن بالتحالف مع كل القوى المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها الكيان العبري الصهيوني . ولنستمع إلى هذه الاستغاثة التي قالها داعية حقوق الإنسان المصري د. سعد الدين إبراهيم ، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة والتي أطلقها من على منصات مؤتمر استنبول ل" الحركة العالمية للديمقراطية" الذي عقد في الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي إذ يقول موجها كلامه للأمريكيين : ساعدونا على ممارسة الضغوط على الأنظمة المستبدة، وأن تقبلوا بمن ينجح في انتخابات نزيهة وديمقراطية، حتى لو جاءت هذه الانتخابات بالإسلاميين الذين تختلفون معهم"، والتفت إليهم قائلا بأن "الموقف الأمريكي والأوروبي من نجاح حماس قد أحرجنا كديمقراطيين"، مضيفا "أنا أفضل إسلاميا يعبر عن استعداده بالالتزام بالديمقراطية على هذه الأنظمة المستبدة التي تدعي العلمانية". الصديق العزيز والصحفي المصري المقيم في تركيا الزميل سعد عبد المجيد ، كتب مقالا في "المصريون" ، روى فيه مأساته ومأساة الملايين من المسلمين الأتراك الذين لم تعترف بزواجهم ولا بأولادهم السلطات التركية ، لأنها لاتعترف ب"الزواج الشرعي " على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتعترف فقط ب"الزواج المدني" ! لقد رفضت السلطات التركية توثيق زواجه رسميا لأن "زوجته محجبة" وإذا شاءت أن تتزوج فما عليها إلا أن تخلع الحجاب! بالله عليكم ... أهذه ديمقراطية أم شكل من أشكال الاستعباد الهمجي والحيواني للإنسان التركي المسلم ؟! طبعا تركيا مصنفه بأنها دولة "علمانية معتدلة" وليست متطرفة ، فإذا كان هذا هو شأن "الاعتدال العلماني" فكيف يكون حالنا إذا حكم المتطرفون العلمانيون بلادنا ؟! ما هي إذن ديمقراطية "الاعتدال العلماني" الذي تمثله تركيا ؟! من ثلاثة أيام مضت فقط ، قال الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل لشبكة "خبر تورك" الإخبارية التركية "إن أي فتاة محجبة ترغب في الالتحاق بالجامعة وتريد مواصلة دراستها وهي ترتدي الحجاب يمكنها أن تذهب إلي السعودية لأن تركيا دولة علمانية ولا يمكن أن تتنازل عن مبادئها"! تخيلوا معي : الديمقراطية في ظل الحكم العلماني "المعتدل" طبعا وربما "الوسطي" لاتسمح لمواطنة تركية ترتدي الحجاب أن تتعلم في مدارس وجامعات بلادها التي تدفع لها الضرائب نظير تلك الخدمة ، وما عليها إذا شاءت أن تتعلم إلا أن تخرج من وطنها وتبحث عن أي بلد آخر يقبلها بحجابها! . رئيس الوزراء التركي الحالي طيب اردوغان قبل أن يتبوأ هذا المنصب ، اضطر إلى أن يرسل ابنتيه لاستكمال تعليميهما بالخارج ، بعد أن رفضت الجامعات التركية قبولهما لأنهما محجبتان ! كلما وقعت عيني على مثل هذه الأخبار ، تذكرت قول قوم لوط في القرآن الكريم " أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ " إنها حقا ديمقراطية قوم نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام [email protected]