إن من أشد ما يؤلم أى محب لهذا البلد العظيم ما يلمسه الإنسان من روح جديدة كانت على مر الأزمنة بعيدة عن تركيبة الشخصية المصرية إلا وهى روح الغل والتشفى واللدد فيها إلى درجة التشفى فى موتى عزل قتلوا بطلقات غادرة فى ليالٍ مباركة أيًا كان ما يؤمنون به وهل نتوافق أو نختلف معه فلابد من وجود سقف أخلاقى لخلافاتنا وكراهيتنا لبعضنا البعض، ولكن نظرة إلى ما يجرى على أرض مصر ينبئنا بأن المستقبل أكثر إظلامًا وجورًا فعندما تجد أن النخبة ومن يديرون المرحلة ينظرون بعين واحدة وينكرون ما تراه الأخرى فى إنكار مغرض وموقف غير أخلاقى سقط فيه الجميع من جيش إلى داخلية إلى نخبة إقصائية وإعلام غادر سقطوا فى بحور الغل وتوجيه مشاعر الناس إلى المزيد من الكراهية وتبارى الكل فى السقوط الأخلاقى، وهو أن دماء أناس عزل قد أريقت ليس إلا لخلافهم فى الرأى فرأينا العجب من نخبتنا وقيادتنا. فى أحداث ماسبيرو تقدم الدكتور حازم الببلاوى باستقالته مبديًا اعتراضه فى أن أى حكومة يراق فى عهدها دم تصبح فاقدة الأهلية لأنها لم تستطع توفير ما عاهدت عليه المواطن وهو الأمن، وبالتالى لا بد أن تستقيل لأنها فقدت شرعيتها كما صدعنا خبير التويتات الدكتور البرادعى فى أن سقوط الدماء تسقط شرعية الرئيس السابق فى خضم سقوط قتلى فى أحداث الاتحادية السابقة، وإذا نظرنا إلى كل من الرجلين وردة فعله إزاء مجزرتين حدثتا للمعتصمين برابعة الذين ينكر وجودهم الكل بينما هى حقيقة موجودة لابد من التعامل معها فى طريق الاحتواء وليس طريق الندامة الذى تتعامل به أجهزة الدولة مع هؤلاء المعتصمين الذين يتوالى سقوط الناس منهم دون أن نرى حمرة خجل لكلا السيدين أو أى ترجمة عملية لموقفهما السابق, فرد الفعل لم يتعد الكلمات أو التويتات التى تستنكر، فأين سقوط الشرعية مع سقوط الدم التى كانوا يتحدثون عنها، أم أن الموقف اختلف بعد أن أصبحوا جزءًا من النظام؟! أدرك تمامًا أن الإخوان كفصيل لهم أخطاء أو لنقل خطايا ولكن ما نراه الآن ليس إلا تدمير ممنهج لجزء من نسيج هذا الوطن بإقصائه والتفنن فى شيطنته والاتجاه إلى إقصائه، فليس من عاقل أصبح يصدق مقولات عدم الإقصاء التى يرددها رجال المرحلة والعدالة الانتقالية لأن ما يحدث على أرض الواقع من استباحة الدماء يثبت أنها ليست إلا أكاذيب وأن الجيش سيطر عليه غرور القوة والعناد ووجدت الشرطة نفسها فى موقف الانتقام ممن تشعر أنهم كانوا سببًا فى فشل سابق، فتحركت وللأسف فى حراسة جيش مصر وكأن من ينتسب لهؤلاء المعتصمين أيًا كان سبب اعتصامهم ليس له دية. هل من عاقل يختلف على أن سقوط الدماء فى تلك الأيام المباركة كان يستدعى اعتذار وقلق النخبة الحاكمة على اعتبار أن هناك ما يعرف بالإنسانية والبشرية التى يجب أن نحترمها لأن سقوط الدماء خارج البعد الأخلاقى الإنسانى مهما كانت خلافاتنا مع ما يمثله ولكن للأسف رأينا ميكيافلية رخيصة جدًا من قنوات تليفزيونية، وانظروا ماذا تذيع فى يوم سقط فيه مئات من المصريين بالرصاص بينما فضائياتنا تذيع الأناشيد الوطنية الحماسية احتفالًا بجيش مصر العظيم، وكأنه انتصر فى موقعة هامة على أعداء الأمة، فإلى هذا الدرك وصل السقوط الأخلاقى والنفاق السياسى! والكل يغتر غرور القوة، وقد وجد الكل حلًا لمشكلته فى تصدير الجيش لإقصاء منافسه السياسى مع أنه يعلم أن دوره قادم. أبناء مصر الأعزاء لم تنجح ثورة يناير إلا بالدماء التى سالت وبإصرار أبناء مصر على نيل حريتهم بعد أن تنسموا نسيم الحرية واشتركوا بايجابية غير مسبوقة فى استفتاء وانتخابات عدة حتى عاد العسكر لاحتلال المشهد كاملًا للعودة بالبلاد إلى ما كانت عليه من قهر، وبدلًا من أن يتحد كل فصائل المصريين لمواجهة ذلك للأسف تصدمنا انتهازية نخبوية مقيتة فقدت سقفها الأخلاقى ومصداقيتها لا لشيء إلا لأن المنافس هم الإخوان، إن الاصطفاف الحقيقى لأى عاقل ليس دولة فى مواجهة الإخوان، وكأن مصر نصفها إخوان، وهذا تسطيح للأمور لأن إضفاء الأخونة على كل من يختلف معنا هو هروب من مواجهة حل المشكلة بصدق والاتجاه إلى الالتفاف عليها، ويجب أن تفيق النخبة والمثقفون فلم تقم ثورة يناير وتقدم دماء و شهداء لتعود إدارة البلاد إلى السلطة العسكرية والجيش الذى يتم توريطه أكثر وأكثر فى مهمة ليست مهمته إطلاقًا، ولنعلم أن سقوط الدماء مصيبة كبرى يجب أن نقف عندها أيًا كان من تُنتهك دماؤهم ومهما اختلفت توجهاتنا معهم، لأن هذا العدد غير المسبوق فى يوم واحد ولحظات لم يحدث له سابقة حتى أيام الاحتلال. أبناء مصر الأعزاء تعالوا نلملم جراحنا ولنعد إلى وحدتنا حرصًا على بلدنا الغالى، ولتكن المصالحة حقيقية بالبعد عن جو التخبط وعدم المصداقية الذى تتخبط فيه الإدارة الآن، وليتخلى الجيش أو بالذات الفريق السيسى عن شخصنة الخلاف والعناد فيما يراه فمصر أولى أن نقلق عليها من أن نتفرغ إلى العناد وتصفية الحسابات وجو الشماتة واحتفالات الفرح فى وقت الحزن، لأن ذلك يفقدنا جميعًا كمصريين إنسانيتنا، فلابد من إعادة دراسة كم المبادرات المطروحة للخروج من هذا النفق والمضى قدمًا حتى تستقر بلادنا. أسال الله أن يحفظ مصر وأهلها وأن يلهمهم الرشاد ليقدموا مصر على أنفسهم وليعيدوا مواقفهم من حرمة الدماء وأربأ بأى مصرى أن يترك نفسه ليلقى الله بدم حرام. تحياتى درويش عز الدين