إن سيادة القانون هي الأساس في تطبيق العدالة، بحيث يقف كل الناس أمامه ويخضعون لأحكامه، لا فرق بين إنسان وآخر، يطبق على الكبير والصغير، وعلى المسئول وغير المسئول، فهو مجموع القواعد التي تسنها الدولة من أجل تنظيم شئون البلاد والعباد وتسيير أمورها، ووضع النظم والضوابط التي تطبق على جميع الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية، وفي علاقاتهم مع الدولة وهي التي تنظم الأمور المدنية والتجارية، والجزائية، وهي التي ترسي أصول الحكم. والقانون يصدر عن السلطة التشريعية المختصة، إذن يتجلى القانون بمجموعة القواعد القانونية التي تفرض على الناس بغية تحقيق النظام في المجتمع وعلاقات الأفراد فيه، وبغية تحديد سبل سيرهم وسلوكهم، ويسهر على تطبيق القانون القضاة الذين يحملون رسالة مهمة في إقامة العدل بين الناس فيما يتعلق بحرياتهم وأموالهم، وأحوالهم الشخصية، ورسالة القضاء هي رسالة مفتوحة، وليست مغلقة قد كتب فيها النزاهة والحياد، والعدل، وقد قيل: إمام عادل خير من مطر وابل، وقيل أيضًا عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، وإن الظلم يجرح عواطف العدالة ويدمي فؤادها، فلا بد من حمايتها من العبث والفساد، إن الإنصاف باعتباره الضامن الوحيد للمساواة بين الأفراد فيما بينهم أساسي لتحقيق العدالة، ذلك أن هذه الأخيرة "يمكن أن تقع في أخطاء وتنحرف"، وبالتالي فإن هذه القاعدة عندما تغدو مرجعية شمولية، آنذاك يتحقق الحق شرطًا أساسيًا لتحقيق العدالة. هذه النتيجة يمكن استنتاجها على أرضية نقد القانون الوضعي الذي يكون في أغلب الأحوال بعيدًا كل البعد عن الحق والعدالة والمساواة بين الأفراد والجماعات، أي أن القانون الوضعي لا يكون دائمًا مرجعية للدفاع عن الفرد والجماعة ضد الدولة، فحتى يتسنى للحق أن يشتغل فعليًا كقيمة مشتركة من أجل العدالة والمساواة والحرية، بين مختلف جماعات المجتمع الواحد، أو بين مختلف المجتمعات وحتى يمكن أن يكون بمثابة حس مشترك للحوار والتواصل، يعني أن يظهر كإطار مرجعي شمولي تكمله الحياة الاجتماعية للناس. العدالة أساس الحياة الراقية، ولتحقيقها على الإنسان الالتزام بمبادئها القائمة على الحرية والمساواة واحترام حقوق الأفراد السياسية. وذلك لا يعني البقاء في حالة الطبيعة، كما صورها هوبز، ولكن المسألة تقتضي الاحتكام، وهي: معايير تنسجم وطبيعة الإنسان ككائن متميز، عاقل، واع، منتج، فالظلم رافق الإنسان منذ بداياته، ظلم الطبيعة، وظلم البشر للبشر…، خصوصًا عند ظهور الملكية التي أدت إلى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ولعل حلم الإنسان لتحقيق العدالة ليس وليد اليوم، ولكنه ضارب في تاريخ البشرية، نصادف في مساره ما يسمى قوانين حمورابي التي ستبلور مبدأ العدالة حق لكل إنسان. فالتاريخ البشري يمكن النظر إليه بوصفه تاريخ الظلم وتاريخ الصراعات الدامية من أجل فرض معيار موحد للعدالة، ولعل اختلاف المواقف والاتجاهات الفلسفية التي تناولت هذا الإشكال تعكس ذلك الرهان. وإن إقامة العدل وسيادة القانون هي روح القضاء ولا تحيى هذه الروح إلا بخصائص ثلاثة هي: الأولى: حياد القاضي وقد مثل له بفتاة جميلة فتانة حملت ميزان العدل، عيناها معصوبتان بمنديل، لا ترى من ورائه غير وجه الحق والعدل، لذلك يقال إن القاضي معصوب العينين، ولماذا يكون القاضي معصوب العينين؟؟ يكون كذلك لأنه لا يعرف أحدًا من الخصوم، ولا ينظر لأحدهم نظرة تميز الواحد عن الآخر، حقًا إنها قاعدة جميلة ومثار فخر لمن يكون من القضاة كذلك، حيث إن القاضي لا يعرف أحدًا من الخصوم ولا يميز بينهم، الثانية: العدالة ولا ينظر لقضية أحدهم بأكثر مما يرى للآخر فهو من خلال عدم معرفته لأي منهم لا يعرف قضيته وحده يكون معصوب العينين لصالح الحق والعدل، إن هذا سمو للقاضي أن يكون معصوب العينين، وشموخ له بألا يرى سوى ميزان العدالة، لأنه قد يحدث أن يبتسم القاضي لأحد الخصوم، الأمر الذي يجعل الخصم الآخر في حالة إحباط، حتى ولو كان ذلك بدون قصد من القاضي. الثانية: استقلال القضاء، ويرمز إليه بالكرسي الأصم لا يصل إلى سمع هذا الكرسي غير صوت الضمير ومنطق الوجدان، فكرسي القاضي لا يسمع إلا همسات صوت الحق. الثالثة: عدل القضاء، ويرمز إليها بصخرة الملك تتكسر فوق صلابتها أمواج الفساد وتتحطم عليها صرخات الظلم، ليستريح ضمير العدالة إلى جذور القانون القوية، هذه لوحة العدالة التي تبحث عن الظهور إلى المجتمع لتسبح فوق أمواج النور وتقضي على أمواج الفساد، وتترسخ في مجتمع يسوده التطبيق السليم للقانون.