لست ناقدًا سينمائيًا ولا أعمل فى مجال السينما وليس لدي ناقة ولا جمل في الحقل الفني ولكنى أقدم وجهة نظر نفسية. يعد فيلم الحرامي والعبيط – الذي يعرض الآن فى دور العرض – إضافة إلى معاناة المرضى النفسيين، وكان من الأولى أن يلقى الفيلم الضوء على آلامهم ومعاناتهم واحتياجاتهم ونظرة المجتمع لهم . لقد أدركت الآن لماذا يحجم المرضى في مستشفيات الأمراض العقلية عن الخروج للمجتمع بعد التشافى؛ هذا المجتمع ذو النظرة الأحادية الضيقة هذا المجتمع الذى لا يعرف أي شيء عنهم هذا المجتمع الذى يصفهم بالعبط مع العلم أنه لا يوجد شيء في الطب النفسي يسمى اضطراب العبط، ومن المؤسف أيضًا أن هذا اللفظ الجارح نستخدمة فى لغتنا للتهكم والسخرية من الشخص الساذج شديد الطيبة قليل الفهم والذكاء.... وللإعلام دور مهم فى ذلك لا يقل خطورة عن دور الفن؛ فالإعلام في غالب الأمر يرسم صورة سلبية عن المعاقين والمرضى النفسيين ويظهر دومًا الطبيب أو المعالج النفسي بأنه شخص غير طبيعي شعره غير مهذب لديه أفكار غريبة! مع العلم أن الواقع منافٍ تمامًا لذلك؛ ولذا يحجم معظم المرضى عن الذهاب للعيادة النفسية أو حتى الاعتراف بالمرض والتصريح بوجوده. وهذا الأمر يعد في غاية الخطورة ويساعد على تفاقم المشكلة وهناك الكثيرون ممن كان لديهم بدايات بعض أعراض المرض النفسي إلا أنهم وبسبب التجاهل وعدم التقدم للعلاج تفاقمت حالاتهم وغرقوا في غياهب المرض. لم يكتف الفيلم بذلك بل أثار أيضًا حفيظة شريحة كبيرة من المجتمع وهي التمريض حيث احتوت قصة الفيلم على ممرضة تتاجر في الأعضاء البشرية وتقوم بأعمال منافية للآداب العامة والقيم المجتمعية. ومن المسلم به أن كل مهنة بها الغث والسمين إلا أن الطريقة التى تم بها تقديم الممرضة واختيار البطلة أيضًا أعتقد أنه كان العامل الرئيسي في اعتراض البعض على ذلك، ولقد علق أحد أبطال الفيلم على بيع الأعضاء البشرية بأنه إسقاط على بيع مصر! ولكن أعتقد أن هذه الفكرة بعيدة جدًا بالنسبة للمشاهد العادي نحن لا نخاطب جمهور من النقاد بل إننا أمام مجتمع به نسبة أمية تصل إلى الثلاثين فى المائة ناهيك عن الأمية الثقافية.
ما زاد الطين بلة ردود فعل أبطال الفيلم ومؤلفه ومنتجيه والذى جاءت بين التجاهل أو الهجوم الشديد على من اعترضوا على الفيلم. ولما لا فلقد طغى الجانب المادى على كل مناحى حياتنا ولا وقت الآن للمشاعر والقيم والعلم وغيرها، لا وقت لك في مجتمع إما أن تكون فيه حراميًا أو عبيطًا وليس لك اختيار ثالث! هذا هو الفن وهذا هو الإبداع وهذه هي الثقافة التي ملأوا الدنيا ضجيجًا من أجلها . ولكن عزائي الوحيد أن أي عمل خلى من الروح والمصداقية، أي عمل كان فقط للفرقعة ولشباك التذاكر يومًا ما سيكون نسيًا منسيًا في الوقت الذي نجد فيه أن هناك العديد من الروائع في السينما المصرية والعالمية التى شكلت وجداننا وأثرت فينا إيجابًا ولن ننساها أبدًا، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.