اندهشت كثيرا وأنا أقرأ نص التصريح التالي من وكالة "مهر" الإيرانية شبه الرسمية للأنباء والحمد لله اني أجيد اللغة الفارسية حيث قالت الوكالة ان الرئيس نجاد قال خلال حفل تكريم الأساتذة والطلاب الجامعيين النموذجيين، بأنه (أي نجاد ) قال في مقابلة مع إحدى الشبكات التلفزيونية الأميركية، ان "البعض يريدون دفع (الرئيس الأميركي باراك أوباما)، فيما يتعلق بإيران، إلى اتخاذ موقف لا رجعة فيه أو إصدار قرار عقوبات". وأضاف نجاد لقد قلت لمراسل تلك الشبكة التلفزيونية أن "إيران تمثل أكبر وأسهل فرصة أمام أوباما كما أن إيران تمثل مفتاح الحل في قضايا العراق وأفغانستان وفلسطين"؟؟؟ وقبل ذلك قرأت خبرا نقلته وكالة الأنباء الإيرانية تقول إن على دولة الإمارات أن تكف عن سياسة ممارسة الضبع للعدو خلف الأسد طمعا ببقايا فريسته، فلا أسد في المنطقة إلا إيران، أما الأسد الأميركي، كما أشار البيان الإيراني، فهو أسد جريح ومنهك. ويكفي ان نقف عند الخبرين لنقول ان ايران حولت العراق الى أشبه بحال الغابة، ويتحكم فيه قانون المخلب والناب، ومطاردة الفريسة، وهروب الفريسة، فنحن أمام دينامكية سياسية، السيد فيها هو قدرة المفترس على الافتراس أو قدرة الفريسة على الهرب والمراوغة، وبين هذا وذاك طبعا، طيور جوارح وصغار السباع من ضباع وغيرها تنتظر فراغ المفترس من الفريسة لكي تأخذ نصيبها، أما إذا أفلحت الفريسة في الهرب فإن هذا لا يعني إلا توتر المفترس وربما ارتكابه لبعض التصرفات الشاذة عن المعتاد منه، كأن يفترس سبعا آخر أو يخرج من الغابة ليهاجم الإنسان.. الإنسان «حيوان سياسي» كما قال فيلسوف الإغريق، وأساس فهم الصراعات السياسية، ينطلق من محاكاة غرائز الحيوان وصراعات المجاميع على المرعى والفرائس والتزاوج، أي المصالح بالمعنى المادي المباشر، هذا في المعنى الغرائزي «الخام» وهو هكذا مع سياسات الإنسان، لكنه مقنّع بعشرات الأقنعة التجريدية والمثالية والمعقدة. العراق الآن (فريسة)، أو مرج أخضر تتحرك فيه الفرائس، وتفيض فيه المياه والثمار، وهناك سباع وجوارح جائعة في الجوار، تريد الانقضاض على هذه الجنة والاقتناص منها، هناك السبع الإيراني، أو الأسد الإيراني كما يصف نفسه، هو أسد مرتاح وغير منهك ولا يعاني من مشكلات عكس الأسد الأميركي، أيضا حسب الوصف الإيراني، وهناك الأسد الأميركي، وأفضل وصفه بالفيل الأميركي، رغم أن الفيل هو رمز الجمهوريين لا الديمقراطيين فرمزهم الحمار . الفيل الأميركي أقرب للدقة، فالفيل حيوان ضخم ومخيف الغضب، حتى الأسود والسباع تذعر منه إذا هاج وماج، وهو حيوان معقد جدا في عواطفه، يعاني من بلادة ظاهرة تجاه الحيوانات الأخرى، وأحيانا ترشح منه عاطفة ساخنة للدرجة التي يذرف فيها الدموع، لكن الأهم من هذا كله هو أن الفيل كما نعرف في المثل إذا دخل محل الخزف بالغلط فأفضل شيء يفعله هو أن لا يتحرك البتة، لأن أي حركة منه تعني المزيد من التلف والكوارث. هل نقول إن الفيل الأميركي دخل إلى متجر الخزف العراقي؟ ربما، لكن الأكيد هو أن الفيل الأميركي الآن يحاول الخروج من هذا المتجر بأي طريقة، رغم أنه قد يتلف المحل كله ويهشم محتوياته، إلا إذا أعاد ترتيب هذه المحتويات، بحيث أبعدها عن أي يد، أو ذيل، يكسرها، وصانها عن عبث العابثين. وبعيدا عن حوار الحيوانات، يجب أن نفرق بين الدعاية الإيرانية والحقيقة الإيرانية، فآلة إيران الإعلامية نشطة، لا تتوقف عن نفخ العضلات واستعراض القوة والتهويش، وآخر ذلك أن أحمدي نجاد توعد بالإطاحة بالرئيس الأميركي أوباما إذا ما فرض عقوبات على إيران، ومثل ذلك حديث الدعاية الإيرانية عن أنها أسد المنطقة كلها، ولا أسد غيرها. وأيضا حديث الدعاية الإيرانية عن صواريخها وألغامها البحرية وجماعاتها المقاومة، فجزء من هذا الكلام صحيح وجزء منه كلام شعري، لكن الأهم هو أنه يشير إلى حجم العمى الإيراني والاندفاع الغرائزي اللاواعي خلف أوهام القوة. ان ما يجب أن يعيه حكماء نظام الخميني، هو أن إدارة أوباما متهمة أصلا من قبل اليمين الأميركي والحزب الجمهوري المنافس بالتقاعس حيال التهديدات الكبرى لمصالح أميركا في الشرق الأوسط ، فكيف ستكون حجم الضغوط المسلطة على إدارة أوباما للتعامل بحزم مع التهديد الإيراني، خصوصا وأن الحليفة إسرائيل تتربص بها الدوائر، أي أن اندفاع إيران أكثر في سياسة المصادمة والمناطحة، يضيق الهامش على سياسة أوباما التي وصل على متنها للرئاسة الأميركية وهي سياسة الحوار لا الحرب. نعم ايران تروج على انها قوية وهي قامت باكثر من مناورة عسكرية خلال اقل من شهر ، لكن الهدف هو اظهار ايران على انها نمر كاسح في المنطقة وهي تريد بذلك ارعاب وارهاب دول الخليج العربي ، والأيرانيون انفسهم يعرفون انهم نمر من ورق سراعان ما ستلتهمه النيران الصديقة قبل نيران العدو. ايران تواجه ازمة داخلية خطيرة وربما ستكون بداية النهاية كما ان ابنائها يواجهون ازمة اقتصادية كبيرة وعليه فالأسد الإيراني الذي يخوفنا به البعض، لا يستطيع الانقضاض لأنه مشغول بما تحت أرجله من أرض زلقة أو بما خلفه من أسود إيرانية أخرى تجرب أن تزيحه عن المكان، وحتى لو انقض وهو بهذه الحال فسيكون انقضاضه غير محسوب ولا موزون لأنه لم ينقض وهو في غاية التركيز والصفاء والمراقبة الصحيحة للمشهد، بل ربما يكون انقضاضه هروبا من إزعاج الداخل! أما العراق، الذي ينظر إليه الأسد الإيراني بوصفه مسرحا له، فهو أيضا ليس بالسهولة التي يتخيلها، ففضلا عن مزاحمة وهيمنة الفيل الأميركي عليه، يخبئ خلف أغصانه وأدغاله مئات الضباع التي يكفي عشرة منها لطرد أسد أو حتى افتراسه، أيضا كما نرى في قنوات الحيوانات المتخصصة! وهناك طيور جارحة لا يقدر الأسد على رؤيتها فضلا عن الإمساك بها لأنها ليست مرتهنة له ولا تحتاج إليه. ان العراق ليس فريسة ولا مسرحا إلا بقدر ما هو ضعيف المناعة بعد العمليات الجراحية المتتابعة عليه الفاشل منها والناجح، والفاشل أكثر، لكن في اللحظة التي يقوى فيها ويشتد عوده، فلن يعود للإيراني أسد، حقيقي أو ورقي يهدد به، ولن ولن يقبل العراقيون على تهميش العراق - الدولة الصلبة، لصالح العراق - الكانتونات الرخوة، سيعود، لكنه سيعود عراقا يستفيد من هذه الدروس ولا يكرر النماذج السابقة كسجون باقر صولاغ ونوري المالكي.. ولا عصابات الإرهاب القاعدية. العراق أقوى من كل الأسود والأفيال.. يحتاج فقط إلى فترة نقاهة، وجرعة عقل وشربة من ماء دجلة والفرات تعيد الإحساس بمعرفة: انه العراق حقا.... وسلام الله عليكم ... * كاتب وباحث سياسي عراقى