ثورة مصر بدأها الشباب لتكون ضد نظام المخلوع وكانت آلياتها هى أحدث ما وصل إليه العلم, شبكات التواصل الاجتماعى, وتم مواجهتها بأقدم ما كان عليه العلم, البغال والجمال, فنجحت فى خلع المخلوع, نحن الآن أمام انقسام بين اتجاهين لكن القضية أعمق بكثير من الانقسام السياسى الذى يطفو على السطح فنحن نحتاج ل"تجويد" كل شيء حتى نصل لخارطة الطريق اللازمة لتجديد المرحلة الثانية من مسار الثورة ولنبدأ بالبديهيات المنطقية مثل"تجويد القرآن", فلا يوجد عقل ولا نقل ما يفيد بأنه يعنى تجويد قراءة القرآن فقط مما يعكس عمق الأزمة والانقسام, فالبديهى والمنطقى أن يقصد به تجويد قراءة القرآن وفهمه وتطبيق منهجه فى حياتنا تبعًا لمفهوم الجودة الشاملة المعروف عالميًا وبذلك نستطيع تقييم الأمور: أولًا: المصداقية: فمهما كان الانقسام, فالمؤكد أن ثورة يناير كانت ضد نظام المخلوع وبالتالى أى مسار آخر يمكن الحكم عليه بتقييم ممارساته, هل يستهدف إعادة تفعيل نظام المخلوع أم لا؟ ثانيًا: أهمية العلم, فالآية "اقرأ" نزلت قبل آيات التوحيد, الأمر الذى لا يتحقق إلا بالعلم والعقل والمطلوب ليس فقط "اقرأ" بل "اقرأ باسم ربك الذى خلق" على منهج الثلاثية التطبيقية "العلم والإيمان والعمل" اللازمة لتحقيق النهضة بالاستخلاف وإعمار الأرض, والعلم ليس فقط خاص بأصحاب الدراسات الجامعية والدكتوراه بل هو الأساس اللازم لإتقان أى نوع من العمل, فهل اختيار المسئولين حاليًا بالمناصب الرسمية يتم بناءً على الكفاءة فقط؟؟ ثالثًا: مفهوم "التخصص" ليس هو مجال الشهادات الدراسية كما هو سائد بل "مجال التميز والموهبة الذى يستغرق فيه الإنسان" ولابد من تراكم الدراسات والخبرات العملية, هناك فرق شاسع بين "المتفوقين" و"الموهوبين" الأمر الذى أكده الإسلام وطبقه الرسول ويطبقه الغرب الآن(متفوقون+موهوبون=محترفون) أما التفوق فى غير مجال الموهبة لا ينتج احترافًا ونهضة, فأين نحن من ذلك الآن حيث يتم إهمال مبدأ التخصص و ضرورة أن يكون للمسئول سيرة ذاتية ناجحة عمليًا فى نفس المجال وباعتراف المجتمع؟ - أما الركن الثانى "الإيمان" فينفرد به الإسلام مثل "أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما" فالرحمة لازمة قبل العلم وقبل القوة وقبل كل شيء وألا يحدث ما يعانى منه العالم مثل استخدام العلم والتكنولوجيا والقوة المفرطة لتسخير الإنسان لخدمة الإنسان الآخر بدلًا من تسخير الطبيعة لخدمة الإنسانية, فأين نجد هذه الرحمة الآن إذا نظرنا للكم الهائل من الشهداء خصوصًا أمام الحرس الجمهورى وبحيث لا أحد يستطيع معرفة من هو الجانى؟ ويكفينا الحديث الشريف بمناسبة شهر رمضان "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه" . -والقرآن يجمع بين "الشعائر" الإيمانية وبين"الشرائع" العملية لضرورة أن يجمع مفهوم "العبادة" بين الشعائر من صلاة وحج وخلافة وبين الشرائع من تحصيل العلم وكسب الرزق والمشاركة السياسية لبناء النظام السياسى الجديد والمشاركة المجتمعية لبناء النهضة وخلافه من مجالات الحياة, هذه هى الرؤية الوحيدة المنطقية لفهم الآية الاستراتيجية "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وألا يكون المطلوب هو التعبد بالشعائر فقط أربعة وعشرين ساعة يوميًا!!! نحن الآن فى مرحلة شديدة الخطورة, والمسئولية أمام الله والوطن والتاريخ لن تنساها الأجيال الحالية والقادمة بعد أن تنكشف كل الحقائق. -والحضارة الغربية تأسست بفصل الدين عن التشريع (هوية علمانية) فازدهرت ثم تراجعت تمامًا بالجانب الاجتماعى, تفكك أسرى وإباحية وخلافه, وبدأت فى التراجع اقتصاديًا بالأزمة المالية العالمية, أما الحضارة الإسلامية تأسست على ربط التشريع بالدين (هوية إسلامية) فوصلت لقمة العالم بعد أربعين عامًا فقط منذ نزول الوحى واستمرت لأكثر من تسعة قرون ثم تراجعت بسبب البعد عن الدين... وهذا المقال قد يمثل الإجابة عن سؤال الشباب المعتاد, متى نستطيع تجديد الثورة؟ والإجابة تبدأ أولًا بتجويد السؤال ليكون, كيف نستطيع تجديد الثورة لتحقيق نهضة؟ لأنه يمكن, لمصر تحديدًا, تحقيق ذلك فى سبع أو عشر سنوات بشرط أن تسير القافلة "بالحرية والهوية الشعبية" وبدون هذا الشرط قد نستهلك قرونًا دون جدوى, ولذلك لابد أن تكون دائمًا القوة القادرة على الحسم هى "الشعب" لا أحد غيره.