مصر تتفاوض مع بنك التنمية الجديد على تمويل ميسر بقيمة مليار دولار    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في محافظة المنيا    طالب يشرع فى قتل ميكانيكي بأكتوبر    بالفيديو.. عضو اتحاد الصناعات يكشف أسباب تحرك أسعار مواد البناء بالأسواق    «مصر للطيران» توقع مذكرة تفاهم مع «الاتحاد للطيران» لتعزيز العلاقات التجارية    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    ب56.127 ألف طلب.. محافظ القليوبية يبحث ملف التصالح في مخالفات البناء    ضربات روسية على مواقع مسلحين في حمص ودير الزور بسوريا    مفاجأة صادمة عن حرارة العام المقبل.. «الأرصاد البريطانية»: لن تنخفض    إصابة 4 أساتذة جامعيين أمريكيين في حادث طعن بالصين    تطورات جديدة بشأن تجديد زيزو وأوباما وعواد مع الزمالك    تصفيات كأس العالم وأمم آسيا، تشكيل منتخب الإمارات المتوقع ضد البحرين في مواجهة الليلة    النصر السعودي يقترب خطوةأخرى من ضم حارس يوفنتوس    موعد إعلان نتيجة امتحانات نهاية العام بجامعة طيبة التكنولوجية    الجو نار، حالة الطقس اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في محافظة المنيا    سأمنعها داخل شركتي.. إيلون ماسك يهدد آبل لهذا السبب (ما القصة؟)    ضبط 67 ألف عبوة سجائر مجهولة المصدر ومهربة جمركياً    الداخلية تواصل جهود مكافحة جرائم الاتجار فى المواد المخدرة والأسلحة ب3 محافظات    حفظ التحقيقات حول إنهاء سائق حياته بكرداسة    تكريم مبدعين من مصر والوطن العربي بافتتاح المعرض العام للفنون التشكيلية    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 11-6-2024في المنيا    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    «الضرائب»: نتبنى فكرا جديدا لتكثيف التواصل مع مجتمع الأعمال الخارجي    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى المبارك    منتخب هولندا يكشف بديل دي يونج في يورو 2024    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    موعد ومكان جنازة الموسيقار الشاب أمير جادو    موعد عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل دواعي السفر على منصة WATCH IT    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض التصوير الفوتوغرافي لطلاب فنون جميلة    روسيا تبدأ المرحلة الثانية من مناورات القوات النووية    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    محافظ بني سويف يوافق على تجهيز وحدة عناية مركزة للأطفال بمستشفى الصدر    "الصحة" تنظم ورشة عمل على تطبيق نظام الترصد للأمراض المعدية بالمستشفيات الجامعية    مكون يمنع اسمرار اللحم ويحافظ على لونها ورديا عند التخزين.. تستخدمه محلات الجزارة    لطلاب الثانوية العامة.. احذر 6 عادات قاتلة تسبب هبوط الدورة الدموية    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    شهداء وجرحى غالبيتهم أطفال في قصف إسرائيلي لمنزل مأهول شمال غزة    كواليس جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي ومدة إيقافه المتوقعة    الخضري يشيد بدعم الجماهير لمنتخب مصر ويطالب بوضوح الخطة الفنية لكأس العالم    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدروس الحسنية.. 50 عاما في خدمة الإسلام الوسطي
نشر في المصريون يوم 13 - 07 - 2013

بعد اعتلاء الملك الراحل الحسن الثاني عرش المغرب أحيا سُنَّةَ الدروس الرمضانية انطلاقا من سنة 1963 و أعطاها نَفَسَهُ الخاص و سماها بالدروس الحسنية، بعد خمسين عاما لازلت مستمرة إلى الآن في عهد الملك محمد السادس.دروس رمضانية أعطت للمغرب بعدا آخر في تميز هويته الدينية و ذلك بعمله للحفاظ على الإسلام السني الوسطي والدفاع عنه بحيث انه لا مكان فيه للفروق العنصرية أو التنطع،دأب علماء أجلاء من جميع الأصقاع و بمختلف اللغات على المشاركة في هذه الدروس أمام الملك و ثلة من رجال الدولة و السلك الدبلوماسي الإسلامي إضافة إلى فقهاء و قراء لتتحقق لغة التواصل و التحاور التي تتبناه المملكة قيادة و شعبا وتحقيق الأنموذج الفعال المنوط بالعلماء الذين يرثون جينة المساهمة في رقي و خدمة المجتمع.
هذه الدروس التي تتميز بها المملكة شكلا و مضمونا نعتبرها نبراسا و نقطة مضيئة في زمن يمر منه العالم الإسلامي و العربي من تحديات و تعثرات تحتاج إلى سلوك سياسي و ديني يمتاز بلغة الصفاء والمساواة والغاية القصوى التي يتوخاها هي كمال المعنوية. دروس أراد من خلالها أمير المؤمنين تثبيت و ترسيخ لمكانة العلماء والفقهاء والحرص على أن دورهم فعال في تحصين الانحرافات العقدية والدينية. إن مركزية إمارة المؤمنين و العقيدة الأشعرية ومذهب الإمام مالك إضافة إلى التصوف السني تشكل منظومة متكاملة في البناء الديني و السياسي داخل الدولة المغربية،و هو ما دفع هذه الأخيرة إلى عدم المقامرة في مسألة الهوية المغربية حيث ركزت على الخصوصية في هذا المجال حيث أن أي حركة إسلامية لم تنخرط في أي تنظيمات أممية مثل الإخوان المسلمين و توجهات إيران ما بعد الخميني فالدولة المغربية تؤكد على أن وحدة المذهب ضرورة امن روحي للمغاربة.
الحرص على هوية المغرب لم يمنع الانفتاح على مكونات أخرى و أفكار جديدة فاعتلى منبر الدرس الحسني رموز كثيرة و متنوعة في العالم الإسلامي و العربي مذهبيا و عرقيا و اثنيا و لغويا لقد حضر كل من أبو الأعلى المودودي و متولي الشعراوي و الشيخ الطنطاوي و الشيخ محمود بن زهرة و عمر البشير رئيس السودان و الزعيم الراحل علال الفاسي مرورا بالشيخ يوسف القرضاوي الذي ألقى الدرس سنة 1983 و شيخ الأزهر السابق جاد الحق علي جاد الحقو الدكتور عبد الصبور شاهين و الإمام موسى الصدر إضافة إلى علماء من أمريكا كالعالم الأستاذ خالد عبد الهادي يحيى، أستاذ الدين والتاريخ بجامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية و كذلك علماء و قراء من الجمهوريات التي كانت مكونة للاتحاد السوفياتي البائد و بريطانيا و إفريقيا و آسيا و استراليا إضافة إلى علماء و فقهاء من المملكة ،و نحن نعلم أن الإسلام جاء لممارسة دوره التوعوي و تمكين المضطهدين من إسماع كلمتهم و الدفاع عنها و رفع الظلم و هذا هو الفهم العميق الذي كانت الدروس الحسنية تتماشى معه و ذلك بإفساح المجال لممثلي الأقليات الإسلامية ورموزها بتوصيل ما يهمهم و إبراز منطقهم و إعطائهم الكلمة للتعبير عن متطلباتهم فيما يسمى بفقه الأقليات.
نعم المرأة لها موقع خطير و فعال أكد عليه الإسلام لكن أغمض حقها بعض المتزمتين و ذوي الرؤية الأحادية،عندما نأتي إلى مسيرة الدروس نجد انه تميزت في عهد محمد السادس باعتلاء المرأة لأول مرة المنبر الحسني في شخص الدكتورة رجاء الناجي المكاوي أستاذة بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط و توالت المشاركات تثمينا للدور المنوط بالمرأة في تحملها لمسؤولية أسرتها و مجتمعها.
بالرجوع إلى تاريخ الدروس الدينية نجد أن لها عناية عامة عند السلالات التي حكمت المغرب و بشكل خاص من دولة العلويين حيث بدأت مع المولى الرشيد و انتقلت إلى أبا النصر السلطان المولى إسماعيل العلوي الذي أعطى أمره في إحدى الحالات للعلامة الإمام أبي عبد الله المجاصي بختم التفسير بقصره و بحضور علماء عصره و من ضمنهم الموصوف بصاعقة العلوم العلامة الفهامة الحسن اليوسي و قد كان هذا السلطان يقوم بخدمة العلماء ويصب الماء على أيديهم تعظيما لما يحملونه من علوم ،و انتقلت تلك العادة الحميدة عبر سلاطين علماء حتى وصلت إلى عهد الحسن الأول الذي كان يقيم دروسه الرمضانية في قصره حيث أن تواضعه للعلم و المعرفة و معرفته بخصوصية العلماء في دولته كان يجلس فوق زربية و أمامه المحاضر الذي يعطي درسه و الكل ينصت، تلك الطريقة التي انتقلت إلى دروس العصر الحديث مع فارق أن المحاضر يرتقي المنبر أمام أمير المؤمنين إجلالا للعالم و لقد ألقى الراحل الحسن الثاني دروسه و هو جالس في مكانه و لم يرتقي المنبر.
إنها دبلوماسية المغرب الدينية التي برع فيها و أبدع في رأب الصدع بين عدة دول منذ القديم وضرب فكر الكراهية والتطرف والإرهاب حيث كان من أساسيات هذه الدروس ما أكده الحضور المتميز و الفعال لثلة من علماء لهم مكانتهم و دفاعهم عما هو وسطي و متسامح في الإسلام و قد كانوا يعبرون عن آرائهم بشكل حر و ملتزم و كانت لهم برامج أخرى موازية تمثلت في إلقاء دروس و محاضرات في المساجد و الجامعات داخل المملكة.
كدأبها في التقليد أرادت الجزائر أن تستفيد من إشعاع الدروس الحسنية فقامت بمحاولة استنساخها و استغلالها تحت عنوان ما يسمى بالدبلوماسية الدينية،والواقع أن الأصل ليس كالصورة التي استنسخت منذ 2005 فكانت باهتة و لم تنجح البتة.
في أواسط الثمانينات من القرن الماضي قدم العلامة الشيخ عبد الفتاح أبوغدة شهادته في الدروس الحسنية قائلا و هو يخاطب الملك الراحل الحسن الثاني:"لقد تفردتم في هذا العصر من بين الملوك والرؤساء بهذه السنة الحسنة وهذا الفضل الفريد،وتفردتم أيضا بأنكم حين تجمعون العلماء تجمعونهم لإعزازهم ورفع مقامهم ولإعلان شأنهم،تجمعونهم وتجلسون بين أيديهم متواضعين مصغين مجلين معتقدين بقداسة مايقولون من كتاب وسنة وفكر إسلامي صحيح سلفي أو خلفي ، فأنتم بينهم في مقام الشهود لهم بصدق ما ينقلون وحق ما يقولون" انتهى كلام الشيخ و هو من العلماء الأجلاء و شهادته تتعدى التملق و النفاق و إنما هو إعجاب حقيقي و قول حق، هذه الشهادة التي تمتد و ستبقى سارية المفعول إلى اليوم و هذه الدروس تقام في شهر رمضان من كل عام برعاية أمير المؤمنين.
دروس بهذه المكانة و هذه الجدية في التناول تندرج تحت عنوان تبيين و تبصير الناس بمعاني الإسلام السامية و منهجه القويم الذي يساعد على فهم أمثل للحياة و كيفية التعامل معها و البحث عن حلول قمينة برفعة المجتمع الإسلامي و تقيده بالمشاركة الفعلية و الفعالة على هدي من تعاليم الفهم الصحيح و السليم للكتاب و السنة بلا إفراط و لا تفريط، في ظل ما استجد على عالمنا من اكتشافات علمية و تقنية و نظريات ثقافية و سياسية و اقتصادية،فالدروس الحسنية لم تعد تهتم فقط بما هو فقهي خالص بل تعدتها إلى البحث في عوالم ثقافية و علمية و اقتصادية...و حتى تعمم المعرفة فقد تم ترجمة تلك الدروس إلى عدة لغات من طرف وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية و ذلك لأهمية تلك الدروس و أصالتها و محتوياتها القيمة خدمة للإسلام الوسطي الذي يعطي للعقل منزلته باعتباره محط التكليف بدون غلو لأن عقلنا لا يمكنه أن يسع كل الحقائق.
مسيرة تلك الدروس لم تنقطع و يمكن اعتبارها منارة و تعبيرا عن الاستثناء المغربي و نبوغه في جمع كل ما هو نافع و مساهمته في درء كل ما هو فاسد و متنطع و خارج عن العمق الحقيقي لإسلام التسامح و الشعور بالآخر و خدمة المجتمع الإسلامي و الإنساني بصفة عامة بكل مسؤولية و لعل الدرس الذي ألقاه وزير الأوقاف في هذا الشهر الكريم من سنة 2013 الذي يصادف الذكرى الخمسين لانطلاقة هذه الدروس في العصر الحديث تحت عنوان "الشعور الوطني عند المغاربة" يعبر عما أصبحت عليه هذه الدروس من أهمية و إلزامية في التثقيف و تدبر أمور الحياة و البحث في إشكالات الحياة اليومية بكل تجلياتها وصولا إلى اقتراحات و لما لا توصيات تترجم إلى قرارات مهمة و كذلك يكن اعتبارها نبراسا تقتدي به دول إسلامية أخرى اقتناعا بأهميتها و ليس تقليدا للاستهلاك الإعلامي فقط. و كان إنشاء دار الحديث الحسنية التي تهتم بعلوم الحديث والفقة والعلوم الشرعية من نفحات الدروس الحسنية بقرار الملك الراحل الحسن الثاني و في عهد الملك محمد السادس تم إطلاق "إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.