ليلة اعتقالات سبتمبر 1981 التي قام بها أنور السادات حاكم مصر في ذلك الوقت، [كنت مقيماً في "دار الدعوة" بسوق التوفيقية في القاهرة، و كان معي كمال السنانيري (محمد كمال الدين محمد علي السنانيري) و سألني هل تحب أن تنام هذه الليلة هنا في الدار، أم آخذك إلى "حلوان" – منزل آل قطب إبراهيم، أم تذهب معي إلى "عابدين" حيث سكني مع زوجتي (أمينة قطب إبراهيم) شقيقة سيد قطب- وهي قريبة من هنا؟؟ كنت في اليومين السابقين مقيماً في الدّار، و ارتحت في هذا المكان و أنجزت كل ارتباطاتي مع حبيبي الشهيد "كمال السنانيري" و لم يتبق إلاّ بعض الوصايا و النصائح ثم بعد ذلك أغادر. المهم: كان ردّي عليه أنني أفضّل البقاء هنا و لن أغيّر إقامتي، و هناك "خادم" فاضل يقوم بكل ما أطلبه من السوق – و لعله من صعيد مصر لأنه يحدثنا عن الصعيد دائماً-، قال : على بركة الله ... ابق هنا ... و أنا سوف أغادر الآن و غداَ نلتقي في الموعد المتفق عليه، و قد ودّعني - رحمه الله – و ذهب إلى حال سبيله. في الصباح و بعد صلاة الفجر مع خادم الدار، لم أسمع شيئاً فآويت إلى فراشي و استيقظت حوالي الضحى، ثم عرفت أن الشهيد قد أعتقل و انه ضمن عشرات أخرى تم أخذهم من منازلهم إلى السجن في أكبر حركة اعتقالات تمت في عهد أنور السادات، فاتصلت بالحاج (حسني عبد الباقي) و كان في منطقة "المعمورة" بالإسكندرية و ذهبت إليه و اتفقنا على بعض الأمور ثم نصحني بالسفر "خارج مصر" و قد كان. بعد فترة علمت أن هناك من أبلغ عائلة السنانيري [شقيقة أحد الضباط المحالين للمعاش – و شقيقة الثاني "محمد سعد الدين محمد علي السنانيري" و زوج أخته الدكتور "علي صبري" أستاذ الإنشاءات المدنية بكلية الهندسة بجامعة القاهرة ثم أخته بأن يأتوا إلى الأمن ليأخذوا جثمان "كمال السنانيري" إذ إنه انتحر في السجن!!! و طلبوا من الجميع – في صورة أوامر – ألاّ يشيعوا الأمر و أن يظل الأمر وفق إدارتهم دون أي ردّ فعل فإن ذلك ليس في صالح العائلة، و قد رضيت الأسرة بما حدث دون اعتراض و سلّمت أمرها لله تعالى] من مذكراتي بتصرف. (كمال السنانيري) – مكث في السجن منذ عام 1954م حوالي 17 سنة و منذ خروجه عام 1971م و حتى 1981م، أي ما يقرب من عشرة سنوات: كنت قريباً منه، و لم أشاهد أحداً أزهد من هذا الرجل.... لباس واحد على الجلد، فوقه عباءة خفيفة أهديتُ له منها اثنين، و حذاءاً أشبه بالصندل.. هكذا زي الرجل، أما طعامه فهو يصوم الاثنين و الخميس تباعاً، و عند الإفطار لا يأكل إلا صنفاً واحداً، و قد ألزم نفسه بالعزائم في مجال العبادات. لقد عرفت أغلب العاملين للإسلام في كل الدنيا فلم أعثر على نظيره: رجل زاهد، لا يحب المظاهر، في غاية الحياء، إذا تكلم قد يغمض كلتا عينيه عن المتحدث، خشية أن تكون نظرته بها شيء من العُجب، دخل بيتي عشرات المرات، و طعم طعامي و أنا أسعد إنسان في هذه الدنيا به، و رزقني الله بكريمة من كريماتي و هو في داري و هو الذي اختار اسمها (أسماء) – و هي الآن دكتورة في الجامعة و زوجها دكتور في الجامعة و أولادها يوسف و إبراهيم من الأولاد الصالحين إن شاء الله - . و الآن: كيف تُصدّق أيها القارئ أن هذا الرجل قد انتحر؟؟ لقد تم تصفية الرجل؟؟!! هذا في القاهرة: نذهب إلى بلد مجاور و هو "ليبيا"، و يحكمها رجل مستنسخ من الزعيم الخالد جمال عبد الناصر!! و أنقل من دفتر مذكراتي عن حبيبي "محمد علي الباقلاني" من تشاد غرب السودان – و هو القائد الحقيقي لهذه الدولة الوليدة و مجاهدها الأول [ مكث في منزلي حوالي أسبوع، ضيفاً علينا، رغبنا أن يبقى معنا و أن يقدم أوراقه للعمل في سلك التدريس خاصة و أنه خريج الأزهر، و فعلاً تم ذلك و نجح في التعاقد معه، فاستبشرنا خيراً على أساس أن يتابع الحركة الإسلامية و هو هنا معنا، و فجأة طلبه (العقيد) فاستشارنا فكان رأينا ألّا يبرح، و يبقى معنا، و لكن جاءت له برقية من العاملين بأن الحاجة ماسة إلى حضوره إلى ليبيا و أمام إصرار إخوانه في الجبهة عزم على السفر و ذهب و لم يعد، إلى الآن و منذ عام 1972م، و قيل أنه انتحر، و قيل أن العقيد أمر بتصفيته؟؟؟؟ بعد ذلك بسنوات زارنا حبيب آخر هو الدكتور (عمرو النامي) و كان بصحبة كبير مفكري الحركة الإسلامية في العصر الحديث د. عبد الله النفيسي – و عرفنا منه أخبار العاملين بالإسلام في بلده ليبيا، و أهدانا كتابه العظيم "المنافقون في الإسلام" – و هو يذكرنا بالكتاب العظيم الآخر الذي ألفه حبيبي المحامي "حسن عبد الغني" – في مصر – عن المنافقين كذلك.... و يظهر أن مساحة "المنافقين في الحركة الإسلامية" لازالت كبيرة و تحتاج إلى كشافات قوية تظهر هؤلاء الذين يزعمون أنهم حريصون على الصّف و هم أتباع للأمن!!! المهم: راودت أخانا حنين للوطن ليبيا البعيد عنه – رغم نصح الدكتور "النفيسي" و غيره بعدم التّوجه إلى ليبيا و البقاء خارجها إلّا أن الدكتور "عمرو النامي" سافر و لم نره... و لم نسمع له حتى الآن صوتاً.... قالوا: إن العقيد قد أمر بتصفيته!!! تصفيات إثر تصفيات ..... و الفاعل حي يُرزق!!! متى يعرف الناس – كل الناس – الحقائق كاملة... و متى يشيرون إلى الفاعل و هو لازال حياً؟!!