فى ظل تلك الأجواء العبثية وهتافات الاقتتال وسط نعيق البوم الإعلامى وحناجر رموز معارضة باهتة يصور لها خيالها المريض أنها بركوب موجة تمرد والنزول فى 30 يونيه ستتمكن من العودة إلى أحلام يقظتها وطموحاتها فى كرسى السلطان ليس إلا، فكل الظواهر تقول إن الغائب الوحيد فى هذا الجو الاقتتالى البائس هو مصر التى يتذرع الجميع بها، مدعيا أن ما يفعله هو لمصر، ومصر الغالية وشعبها العريق من هؤلاء براء، فالحقيقة أن فئتين تقتتلان خلف ادعاء مصر واستقرارها بينما لكل منهما منهاجه وداعموه الخارجيين الذين يحظى برعايتهم، ويبقى مصر الشباب والأمل أين هى فى حسابات هؤلاء؟ على جانب الإخوان والرئيس الشرعى المنتخب نجد محاولات الاحتواء التى للأسف تأخر أوانها كثيرًا بعد عدم تنفيذ الكثير من الوعود المقطوعة، وكذا عدم القدرة على التوافق والاحتواء لفصيل إسلامى من القوى الإسلامية، وهو النور، فكيف سيصدق الناس أن هذا الفصيل قادر على التوافق مع باقى القوى المسيحية والعلمانية واليسارية، وكذا فإن السعى إلى التوافق الحقيقى لابد أن يسبقه حوار جاد بين أطياف المجتمع كافة، تبدأ بتوافق إسلامى إسلامى، كخطوة أولى ثم يستتبعه توافق مع باقى الأطياف السياسية أو الكنسية بالمجتمع، وبديهى أن من لم يستطع أن ينجز الخطوة الأولى، فلن يصل إلى الخطوة الأخيرة، فى ظل هذا الجو الغائم المتنافر ترنو الأبصار إلى الأزهر مؤسسة وشيخًا، لأن الواقع الذى يدركه الجميع أنها ربما تكون المؤسسة الوحيدة فى خضم هذا العبث التى تملك مداخل التوافق والدفع إلى الحوار، ولكن ذلك يستلزم إعادة الاعتراف بمكانتها العلمية والمؤسسية التى انخرط بعض الإسلاميون فى منازعتها عليها، مما أورث فى نفس المؤسسة الأزهرية وشيوخها الكثير من التحفظ حيال ما يصدر عن الإخوان أو عن الرئاسة، ولكن لا يخفى على عاقل أن الأزهر بشيخه ورجاله يملكون بعض مفاتيح التوافق التى يمكن البدء بها، ولو حتى على المستوى الداخلى الذى هو أحوج ما يكون لهذا الحوار والتوافق. إذا كان لدينا إعلام صادق يبحث عن مصلحة هذا الشعب المبتلى بنخبته وإعلامه، فعليه التهيئة والترويج لمبادرة أزهرية للم شمل الجميع على مائدة حوار مستديرة ليدرك جميع المشاركين أن الشعب مل من سفاهات إعلام الضلال، كما مل ألاعيب أطيافه السياسية سواء حكومة أو معارضة، فليؤدِ المخلصون من الإعلاميين دورهم المرجو منهم فى تحويل عواء الذئاب المردة اليومى على فضائيات العهر والمال المنهوب ودعم الكارهين ليحولوه إلى الدعوة للترويج لتوافق يرعاه الأزهر بعد أن وصل أى توافق بين الرئاسة والمعارضة إلى طريق مسدود لا يدفع ثمنه، إلا شعب بائس نسيته نخبته وتفرغت لاختلاق حروب السلطة، فلا يصدق أحد أن هذه معارضة رشيدة تبحث عن استقرار أو أمل لهذا الشعب، وإلا لكان ظهر ذلك فى معارضتهم، لأن الجميع يدرك الفرق بين أن تنتقد وترفض مقدمًا البدائل المتاحة، وبين أن تتمترس بأحلام السلطنة، مكتفيًا بلعب دور ترسمه لك قوى فاعلة على الساحة، سواء داخلية أو خارجية غير عابئ أو صادقا، لتسأل نفسك أو ليسأل كل معارض من إنقاذ أو غيره نفسه: ماذا قدمت وماذا أفدت بما فعله هذا الشعب؟ عندها ربما يتمكن البعض من تصحيح مساره. على عكس القوى المنتسبة إلى الإسلام السياسى، إذا أتينا إلى القوى المعارضة من إنقاذ وثوريين وكنيسة، وبعض الأحزاب الكرتونية، نجد أن كلاً منها لا يعرف لغة سوى الرفض والكل واهم يبنى آماله على تحليلات بعض المخرفين الذين عفا عليهم الزمن، ولا يستحى أى منهم فى سبيل الحضور ليس إلا أن يدعى أنه من يستشيره الأمريكان ويأخذون بنصيحته، وبالتالى لا يمنعه الحياء من أن ينصح المعارضين الداعين إلى الحشد الذى تنبئ كل الشواهد أنه مصحوب بالعنف الذى ظهر مبكرًا سواء فى المصادمات بوزارة الثقافة أو غيرها، فيتفضل السيد المتنطع بالترويج على صفحات الجرائد أن أمريكا أخبرته يا هذا إن استمرت الاعتصامات بأعداد كبيرة فسنتدخل، وأى عاقل يملك ذرة من عقل يعلم أن تلك المعلومات لا تحتاج أن ينطق بها مسئول أمريكى، فهى بديهية، فأى حراك شعبى بأعداد هائلة يستمر دون احتواء هو أمر يستدعى التواصل الأمريكى للملمته، خصوصًا تجاه دولة محورية كمصر، أى أن الأمر لا يستدعى تحليلات هذا الجهبذ ولا ترويجات الصحف له وتقديمه على أنه ممثل الإرادة الأمريكية، مع أن الموضوع كله بديهى، ولكن إنه الإعلام الجوبلزى الذى يصنع من الكذب حقائق. يبقى الشعب المصاب بالإحباط والملل من كل أولئك، حكومة ومعارضة ورئاسة، فقد شعر أن كلاً يبكى على ليلاه، بينما بلده يتهاوى ولا يدفع ثمن هذا الانهيار سواه من ارتفاع فى الأسعار إلى انفلات أمنى وصحة وتعليم ونظافة وفشل سياسى خارجى أضف إليها بهلوانات إعلامية تحمل إليه كل ليلة كمًا لا بأس به من الإحباط والغل دون أن يجد من يعيره أى اهتمام لمشاكله التى تتفاقم، فالكل مشغول بنفسه، وهو يصرخ وحيدًا فى صحراء جرداء "مصر تضيع وتسقط ويتكالب عليها الأسافل"، فأين أنتم يا نخبة مصر ومعارضتها وحكومتها ورئاستها، هل نجد لديكم وقتًا لتنشغلوا بمشاكلنا نحن المواطنين البسطاء بنفس قدر انشغالكم بمشاكلكم أو بمشاكل من حولكم؟