نشر موقع أخبار اليوم فى 28 مايو الماضى أن السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، أكد أن القوات المسلحة لن تسيس ولن تحزب، وستكون دائمًا مؤسسة وطنية تخدم الشعب المصري. وقال إن هذا الأمر لن يتغير أبدًا، وإن الجيش سيظل الكتلة الصلبة التي تحمي وتدافع عن مقدسات هذا الوطن، وأسطورة وطنية، مؤكدًا أنهم مستمرون في الحفاظ على عقيدته التي لن تتبدل أو تتغير مهما حدث. وكان ذلك ردًا على سؤال حول قرار المحكمة الدستورية العليا بممارسة أحقية ضباط وأفراد القوات المسلحة فى التصويت في الانتخابات. وأضاف أن الجيش المصري مؤسسة وطنية شريفة، وأن الجيش لا يمكر ولا يدبر المكائد ويدير الأزمات بمنتهى الشفافية، معتمدًا على العلم والمعرفة، ودعا ضباط وجنود القوات المسلحة بأن يكونوا واثقين من أنفسهم ومن قياداتهم. نزلت هذه التصريحات بردًا وسلامًا على نفسى وعلى الشرفاء الذين يحبون الوطن وقواته المسلحة ويريدون لها وحدة الصف لتكون دائمًا وأبدًا درعه الواقى، ونحن نلقى بهذه التصريحات فى وجه المنافقين والذين فى قلوبهم مرض والمرجفين فى مصر. إن المحكمة الدستورية العليا قررت ذلك إعمالاً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، وعند هذا الحد ينتهى دور المحكمة بإقرار المبدأ، ولكن هل ذلك يعنى أن تصويت ضباط وأفراد القوات المسلحة فى الانتخابات إجبارى لا بد منه؟ الإجابة: لا.. ليس إجباريًَا، فالكثير من الناس لا يذهبون للتصويت لسبب أو لآخر، ولا يؤثر ذلك فى نتائج الانتخابات، حيث يتم احتساب النتائج على ضوء أعداد من أدلوا بأصواتهم فعلاً. إذن هناك فرق بين إقرار الحق وبين استخدامه، فقد يعترف القانون للأفراد بحق من الحقوق، ولكن القانون لا يجبرهم على استخدامه، مثل الحق فى الترشح للمجالس النيابية، والحق فى تكوين الأحزاب السياسية والانضمام إليها. سيقول المتفيقهون إن قانون انتخاب مجلس النواب نفسه قد فرض غرامة مالية على من يتخلف عن التصويت (بغير عذر). فإذا كان ذلك كذلك، فهل هناك عذر أوجه وأشرف من التفرغ للدفاع عن الوطن وعدم الزج بالقوات المسلحة فى السياسة؟ سيقولون إن المساهمة فى الحياة العامة واجب وطنى، نقول لهم نعم، ولكن أليس الأوجب والأولى التفرغ للدفاع عن الوطن والبعد بالقوات المسلحة عن الخلافات السياسية؟ سيقولون إنه فى أمريكا والدول المتقدمة يسمح للعسكريين بالتصويت، نقول لهم نعم، ولكن عندما تكون مصر مثل أمريكا (والدول المتقدمة) فى الاستقرار الأمنى والسياسى والاقتصادى وفى كل شىء.. نبقى نشوف!! قالوا إن التيارات الإسلامية ترفض مشاركة بالقوات المسلحة فى الانتخابات، لأنها لن تصوت للإسلاميين وبالتالى يفقدون أغلبيتهم!! أرأيت أن قرارك كان حكيمًا؟ يا سيادة وزير الدفاع، هناك عدة مبادئ شرعية حاكمة لهذا الموضوع: أولها: أن درء المفسدة مُقدم على جلب المصلحة. فإذا كانت هناك مصلحة فى مشاركة العسكريين فى الانتخابات، فإن المفسدة التى تترتب على ذلك أكبر، وهذا يقودنا إلى المبدأ الثانى وهو "سد الذرائع"، فما يؤدى إلى الحرام فهو حرام. أما المبدأ الثالث فهو أن "الضرورات تُبيح المحظورات"، والضرورة هنا تقتضى البعد بالقوات المسلحة عن الصراعات السياسية لكى تظل حامية لدولة بكافة طوائفها. لقد ضاعت مصر وضاعت القدس فى مثل هذه الأيام من عام 1967 عندما انشغل الجيش بالسياسة عن وظيفته الأصلية، ونسى قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). الآية 200 "آل عمران". جاء فى تفسير السعدى رحمه الله أن الله تعالى حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح - وهو: الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك. والمصابرة: أي الملازمة والاستمرار على ذلك، على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال. والمرابطة: هي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم، لعلهم يفلحون: أى يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي، وينجون من المكروه كذلك. فعلم من هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحدًا الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها. والله الموفق ولا حول ولا قوة إلا به. امض قدمًا يا سيادة الفريق أول فى تنفيذ قرارك وابعد الجيش عن السياسة، ولا تلتفت إلى المزايدين والمتفيقهين فى قنوات المسيح الدجال من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض والمرجفين فى مصر، وليكن شعارنا جميعًا "لا سياسة فى الجيش ولا جيش فى السياسة". لقد أوضحت لك الأسس الشرعية والقانونية التى تؤيد قرارك، فسر على بركة الله. حفظ الله مصر وقواتها المسلحة من أعدائها فى الداخل والخارج.