الصراع بين الحق و الباطل قائم إلى أن يرث الله الأرض و من عليها , و جولاته صورة متكررة على مر العصور , فنرى فرعون الحاكم الظالم المتجبر الذى يقتل الأطفال و يستحى النساء الذى استزل الناس و استعبدهم فلم يجرؤ أحد من شعبه على معارضته بل الكل يمدحونه و يتمنون رضاه , إلا فئة واحدة تأبى على نفسها العبودية لبشر و لا ترضاهها إلا لله . ستون عاما مضت من حكم مصر و أكثر لم يكن فيها صراعا إلا بين الفرعون و من رفعوا راية التوحيد فكان القتل و السجن من نصيب الإخوان المسلمين ثم الجماعة الإسلامية . و لما أراد الفرعون أن يجرى مناظرة عله يثبت أمام الناس أجمعين ادعاءاته على هذه الفئة التي كانت بقيادة نبى الله موسى عليه السلام و جرت المناظرة أمام الناس أجمعين , و ثبت أمام الجميع أن موسى نبى الله و يملك المعجزة و كانت هزيمة السحرة هزيمة ساحقة فأعلنوا إيمانهم بموسى و منهجه و أصبحت الحقيقة أوضح من الشمس في ضحاها موسى نبى مرسل و فرعون دعى كذاب , هل يستسلم فرعون ؟ هل يستسلم نظامه الذى يمتص دماء الكادحين ؟ و إن أراد هو أن يستسلم فهل يستسلم نظامه و فلوله ؟ ( وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ * 127 الأعراف * ) انظروا إلى التعبير الربانى أتذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض ألا ترى أنه كان سببا في أزمة الكهرباء و السولار , ألا ترى أنه كان وراء كارثة سد أثيوبيا , ألا ترى أنه كان سببا في إغلاق 3000 مصنع , ألا ترى عدد المعتقلين في عهده الذى وصل إلى 3460 معتقلا , ألا ترى زيادة نسبة السرقة بالإكراه , ألا تتذكر أنه كان إرهابيا , ألا تتذكر أنه كان قاتلا قتل واحدا من أتباعنا و هو يدافع عن واحد من أتباعه فهو جبار في الأرض و ما يريد أن يكون من المصلحين ( قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) , ألا ترى .. ألا ترى .. ألا ترى ؟ هل تتركهم ( وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ * 127 الأعراف * ) فأجابهم على الفور ( قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * 127 الأعراف) إذن فرعون لا يملك حجة و لا يملك حوارا و لا يعرف استخدام الأساليب السلمية و لا يعرف صناديق الإقتراع و لكنه يعرف طريقا واحد لإسكات معارضيه و هو طريق العنف و القتل و زجاجات المولوتوف و إطلاق الرصاص ولا يعرف طريقا آخر . فماذا كانت وصية موسى لقومه ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *128* ) و لكن الشعب لا يستطيع أن يصبر فالشعب قد ذاق الوبال على يد مباحث أمن الدولة وهى تبحث عن الإرهابيين أتباع موسى عليه السلام , فبسطت سيطرتها على الشعب كله و أحصت عليه أنفاسه حتى لم يبق لهذا الشعب خيارا في أمره و لم يبق له إلا أن يستخرج تصريحا من أمن الدولة لكى ينام مع زوجته و يمارس حقه في الحياة . فبماذا أجاب الشعب المسكين المقهور ( قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا * الأعراف 129 * ) فأجابهم نبى الله موسى الواثق بربه ( َقالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ – الأعراف * 129* ) . و أهلك الله عدوهم و مكن لهم ومن عليهم كما قال سبحانه و تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * 5 * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ * 6 * القصص) . و بعد هذا التمكين تبقى فلول النظام و يبقى كل الكارهين لموسى عليه السلام و كل الكارهين لنبى الله محمد صلى الله عليه و سلم و يبقى قوله سبحانه و تعالى ( وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) فماذا سيفعل من مكن الله لهم ؟