الهرالكثير منا يجيد الهروب ويتماهى في تطبيقه ويجعله ديدناً له في كل شؤونه ، وقلةُ هي التي تجيد فن المواجهة وقبول التحديات والتعامل مع أحلك الظروف بكل عقل ورويّة . فأنت عندما تدخل حلبة حوار لتعبر فيها عن رأيك الذي يتناقض مع رأي الآخر، فيعلو صوتك وتحمر عينك وتنتفخ أوداجك فأنت بذلك تمارس الهروب لتغطي ضعف بيانك وقلة حجتك ، وعندما تكون في ييتك فلا تملك طريقة إلا السب أو اللعن وأحيانا اللطم أو الركل بدلا عن الحوار والإقناع فأنت أيضاً تمارس الهروب بأقصر الطرق وأسهل الحلول التي يكون لها أسوأ الأثر على مَن توجّه فتجعله على طرفي النقيض إمّا العداونية أو الإنطوائية ، وهكذا قد نمارس الهروب والسلبية في غالب أمورنا ونحن نظن أننا نحسن صنعا . المعارضة الحالية للنظام أيضا تمارس هذا النوع من الهروب ، على ما تبذله من جهد أحيانا ولكنه من قبيل الركض في المحل ، فهي تحاول جاهدة إسقاط الرئيس بشتى الوسائل ، والتي لا تزيد النظام إلا تثبيتا ولا تزيد أنصاره إلا تعاطفا وكأنهم يعطونه قبلة الحياة وإشارة النجاح والإستمرارية بتلك الممارسات التي تعد من قبيل الهروب ، بالعنف تارة والنقد الشخصي التافه الخالي من الموضوعية المعتمد في أكثره على الإشاعات أو المبالغات أو ركوب بعض الأحداث المأساوية وتوظيفها سياسياً كما حدث مؤخرا في حادثة إختطاف الجنود وآخرها إعلان أثيوبيا تغيير مجرى النيل الأزرق والشروع الفعلي في بناء سد النهضة ، مع أن معظم هذه المشكلات ليست من صنع النظام الحالي ولا وليدة اللحظة بل هي تركة ثقيلة ورّثها النظام السابق وحملناها جميعاً فلا تحتاج إلا إلى التكاتف وطرح الحلول والمبادرات لا أن تستغل أو توظّف في الطعن على الرئيس أو الحكومة فالأمر أكبر من ذلك ويجب أن يكون . مارست العارضة هذا الهروب عندما تحالفت مع بعض رموز النظام السابق وهم الذين ثارت الجموع على نظامهم و إفسادهم ، ومارسته أيضاً وهي تناشد العسكر بأن يخلّصهم من كابوس النظام وهم طالما هتفوا سابقاً بسقوط حكم العسكر لأنه الإمتداد الطبيعي لحكم مبارك وسابقيه. لا شك أن الديمقراطية الحقيقية هي البيئة الصحية لإنطلاق التنمية والتطور في ظل شفافية معلنة ودور فاعل للمواطنين في صنع القرار مع آليات المراقبة والمحاسبة ، وهذا لن يتم إلا بوجود أحزاب سياسية معارضة لها ثقلها على أرض الواقع وليس في العالم الإفتراضي ، تستطيع الوصول للشارع والإندماج معه وكسب ثقة المواطن بطرح مبادرات واقعية وتتعايش إجتماعيا مع مشاكله الحياتية اليومية وعن طريق برامج تهدف الصالح العام للمجتمع وخصوصاً الذين طحنهم الفقر ويتجرعون المعاناة صباح مساء ، وان تمارس العمل السياسي بصورة حقيقية وليس زينة أو إستعراضا أو صنعا للأزمات أو إنتظاراً للكوارث لكي تصب جام غضبها ولعناتها على الرئيس ونظامه وتسلقه بألسنتها الحداد . فالمعارضة الحقيقية هي التي تحقق التوازن السياسي للمجتمع لكي يكون للشعب بديلاً آخر للنظام عند الذهاب للإنتخابات إذا فشل هذا النظام في تحقيق آمال وطموحات المواطنين ، والمعارضة الحقيقية أيضاهي التي تنتقد الحكومة بطرية بناءة بهدف دفعها لمردود وأداء أفضل و هي التي تقدم الحلول والإقتراحات لأن هدفها الرئيس هو المجتمع أولا وآخراً ، وهذا هو الذي لا يزال غائباً عن هذه المعارضة .