لا بد أن تكون في هذه الأيام سعيدا مشرئب العنق طلق المحيا مؤمنا أن "الدنيا ربيع والجو بديع ... وأنه ينبغي التقفيل على كل المواضيع" . دقيقة واحدة لو سمحت إذ لا أحب أن تأخذك بي الظنون مأخذاً فتظن أن الخبل قد لحق بي أو أن جُنة أصابتني أو أن عقلي طار في دنيا الخيال مهدرا قانون الجاذبية .. فالواقع يقول أننا نملك أدوات التميز والارتفاع ، وأن لدينا ما يبهر من الكنوز بحيث تفنى الدنيا ولا تفنى . دعك ممن يقول أن المصريين لا يثورون على واقعهم السيئ إلا إذا كان هناك قائدا يقودهم ويوجه انفعالاتهم المشروعة ، ذلك أن المصري له معدن خاص به ، هذا المعدن فريد في نوعه بحيث تزداد قيمته إذا طمرته في الطين ، وكأن الطين هو سر المصري الذي يدفن فيه جذوره لتنطلق قوية عفية إلى عنان السماء وقت أن تشم النبتة ماء الحياة . أما مصر فهي غنية ثرية عفية وقد أدرك المتنبي قديما بثاقب بصيرته الشعرية مدى ثراء مصر ، فقال في بيت شعر شهير عندما نظر إلى حال المصريين .. "نامت نواطير مصر عن ثعالبها وقد بشمن وما تفنى العناقيد" أي أن حكام البلاد وحراسها ناموا فتركوا الثعالب واللصوص تسرق من خير مصر ، ومع ذلك لم تفن الخيرات ، إلا أن الحال طبعاً يتطور ، لذلك رد على المتنبي شاعر مصري عبقري من عصرنا الحالي قائلاً له "يا بن الحسين نواطير البلاد غدوا سرّاقها بالرشى والنهب والختل" أي أن حكام البلاد أصبحوا هم اللصوص ومع ذلك ما زالت عناقيد الخير عامرة ، وإن أدرى لا أدرى على وجه الدقة ما هو السبب الذي جعلنا جميعاً نفرط في الاهتمام بتعديل المادة 76 من الدستور وتعديل التعديل وانتخابات الرئاسة والسياسة ، إذ أنه يتوافر لدينا البديل الذي من شانه أن يجعل مصر آخر نغنغة "والنغنغة لغة تعنى السعادة والحبور".. ليس البديل هو البرادعي أو حمدين صباحي أو أيمن نور أو عبد المنعم أبو الفتوح أو غيرهم ... ما البديل إذن ؟ كن معي دقيقة لو سمحت حتى نمسك الخيط من أوله ... كنت قد كتبت من قبل مقالة مؤلمة متألمة في لحظة ألم من واقع سيء قلت فيها : (( أظنك سمعت بيت الشعر الرائع الذي كتبه حافظ إبراهيم في قصيدة فريدة والذي قال فيه "وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبنى قواعد المجد وحدي" فهل من اللائق بعد أن نظر الخلق إلى مباني المجد المصرية أن نتركها خالية ؟ "بالطبع لا " نحن من أعيان الملاك إذن ، ومن حق المالك أن يؤجر ملكه ومصر دولة شاسعة مترامية الأطراف مليئة بالآثار والبحار والنيل السعيد والأراضي الزراعية الخصبة التي يقال في الأثر إن " نيلها عجب وأرضها ذهب " وبما أننا نملكها فمن حقنا أن نؤجرها "مفروشة " أو "قانون جديد" . ومسألة التأجير ليست جديدة علينا إذ سبق لنا تأجير قناة السويس لمدة تقترب من القرن ، كما أننا شرعنا من قبل في تأجير هضبة الأهرام ومازال البعض يسعى لتأجير مياه النيل لإسرائيل .. ولعلك تذكر أننا نؤجر أو نبيع الغاز لإسرائيل ، فضلاً عن أن جميع آبار البترول المصرية تم تأجيرها لشركات أجنبية ... ولا تنسى أننا اضطررنا لبيع شركات القطاع العام ولا تسألني عن طابا وشرم الشيخ ورأس بناس وعن من هو المستأجر الحالي لهما؟؟ !! وقد تقدح زناد فكرك قليلاً لتحدثني عن توشكا وعن مجموعة المستأجرين لها أو المستأجر المحظوظ أو عن القنوات الفضائية ومصادرة حقنا في مشاهدة مباريات المنتخب لأن المستأجر يرفض إذاعة المباريات إلا على قنواته المشفرة. والآن ومع واقع يبدو من بعيد أنه قابل للتغير وللتغيير آن لي أن أقول : عزيزي القارئ .. نبتة مصر الطيبة مطمورة في طينتها الخصبة وهي الآن في انتظار الماء فهبي يا ريح الخير وأمطري يا سحابة ". [email protected]