كانت إسرائيل تريد أن ترسل أكثر من رسالة من خلال عملية إغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي. رسالة إجرامية ذات شظايا عنقودية تصيب أكثر من هدف. وكل هذه الأهداف، حسب التخطيط الإسرائيلي، كان لابد أن تصب في خانة واحدة هي تأكيد التفوق الإسرائيلي على أكثر من صعيد. لكن ما حدث انتهى إلى فضيحة مدوية، ما زالت تداعياتها المكلفة لإسرائيل مستمرة بصورة سلبية، و على عكس ما أراد لها العقل الصهيوني أن تصل إليه. في البداية لابد من الإشادة بموقف دبي الصلب والشجاع في مواجهة الأزمة. لا بد من التأكيد على نجاح الإمارة في إدارة الأزمة إعلامياً، وتوجيه نتائجها لصالح سمعة "المدينة النموذج" التي لا تتهاون في المسألة الأمنية. لقد قدمت شرطة دبي وعلى مدار الأيام التالية لجريمة الاغتيال دورة احترافية في الإدارة الإعلامية للأزمات. كانت دبي وحدها، حصراً وقصراً، مصدر المعلومة الصحيحة والمقنعة. بينما كانت وسائل الإعلام العالمية ومصادره الإخبارية تتخبط في العواصمالغربية ذات الصلة دون جدوى، ثم تعود مرغمة للاستماع للمؤتمرات الصحفية للفريق ضاحي خلفان، لاهثة وراء المصدر الإعلامي الإمارتي. وبلغ حجم النجاح في هذه القضية أن دُفعت إسرائيل دفعاً أمام العالم للكلام. ولم يتسن لها الوقت حتى للصمت أوالمراوغة أوتقديم الأكاذيب كما تفعل وراء كل جريمة من جرائمها. هدف اختيار المكان: إسرائيل اختارت دبي لتنفيذ العملية لتضرب سمعة الإمارة الأمنية بعد تعافيها ،ولو على مضض، من أزمتها الإقتصادية. كان الكيان الصهيوني يسعى من خلال تنفيذ الجريمة في دبي القول بأن أذرعه قادرة على ضرب الأهداف حتى ولو كانت في بروج الفنادق المشيدة. لكن دبي استطاعت عبر نظامها الأمني من اكتشاف عناصر الخلية شخصاً شخصاً. وأثبت للعالم أنها مدينة آمنة ومرافقها تحت السيطرة الأمنية، شأنها شأن أكبر العواصم العالمية. وأن هذا الأمان كفيل بحماية المدينة من أي عبث يستهدف رخاءها الاقتصادي وألقها التجاري، وأنها قادرة على حماية الاستثمارات أيا كانت طبيعتها. اختيار الهدف ( القيادي في حماس محمود المبحوح): كانت رسالة إسرائيل لحماس أن قادتها ليسوا في مأمن، وأن يد الاغتيال ستصلهم في أي مكان في العالم. وأن من وقفوا في وجه اجتياحها الإجرامي لغزة سينالون التصفية والعقاب. وبدلاً من أن تتخلص اسرائيل من قيادي واحد صار قادتها الآن هم المطلوبون، وبقوة القانون الدولي. وكان ذكاءً سياسياً من حماس إعلانها أن الانتقام سيسير في اتجاهين، قضائي ضد قتلة المبحوح. واتجاه آخر، تعرفه إسرائيل في تعاملها مع حركة حماس، هو القصاص بالقتل. أي تحول أملُ إسرائيل من الخلاص من المبحوح من إخافة حماس إلى خوفها هي وشعبها المحتل من انتقام حماس. وما تهديد القيادي محمود الزهار من إمكانية نقل المعركة إلى الخارج إلا كابوساً أمنياً جثم على إسرائيل جراء اغتيالها للمبحوح. وصحيح أنها اغتالت الرجل لكن في المقابل أصبح قائد الموساد مائير داغان اليوم تحت تهديد القبض عليه دولياً، بل ذهبت الصحافة الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك، وهي السخرية من تنفيذ العملية بهذا الشكل المتخلف مخابراتياً، وبحيث أصبح جميع أفراد المهمة معروفين دولياً وملاحقين من مخابرات العواصمالغربية ( بريطانيا، إيرلندا، فرنسا). اختيار جوازات غربية مزورة: من خلال اختيار جوازات البلدان التي ظهرت فيما بعد في تحقيقات دبي، أرادت إسرائيل أن تقول أن يهودها منتشرون في العالم، وبإمكانها استدعاءهم لتنفيذ أية مهام حتى ولو كانت للقتل المحض. لكن هذا الصنيع الغبي فضح إجرام "الدولة اليهودية" أمام الغرب. واضطرت العواصم المعنية لاستدعاء سفراء الكيان الصهيوني للاحتجاج على هذا التعدي الصارخ على وثائق مواطنيها. لقد ذكرت هذه الفعلة بالخلايا النائمة لتنظيم القاعدة والتي تنتظر الأوامر للانقضاض. وها هي إسرائيل تفعل الشيئ نفسه دون اعتبار لأية مواثيق أو احترام لأنظمة. وهذا خطأ فاضح وتحدٍ غبي لحلفاء تقليديين لإسرائيل. ويبقى الانجاز الأكبر لدبي في هذه الجريمة التي أرادت إسرائيل أن تظهر فيها بدور الفتى القوي، فإذا بها فأر طريد تلاحقه نظرات الاستهجان والسخرية. وكل الرسائل التي أرادت إسرائيل إرسالها للأطراف المعنية رجعت عليها كالسهام ووانقلبت عليها الطاولة. * أستاذ الإعلام السياسي – جامعة البحرين [email protected]