فى الوقت الذى يتحدث فيه النظام الحاكم عن مشروع النهضة الذى سيضيء الحضارة المصرية، لم يجد المصرى سوى شمعة يضيء بها طريقه، وفى الوقت الذى يتفرغ فيه الحزب الحاكم لتأليف كتاب عن إنجازات الرئيس التى لا تعد ولا تحصى، والتى ستؤهله لولاية ثانية من حكم الشعب الذى اختاره، لم يجد الأطباء بالمستشفيات سوى أجهزة الموبايل لإضاءة غرف العمليات لإنقاذ مريض. وفى الوقت الذى تتبادل فيه القوى السياسية بجميع طوائفها وأيديولوجياتها، تناسوا أن هناك مصريًا بسيطًا يحلم بضوء نور فى القرن الحادى والعشرين، ولم يتذكروه فقط إلا فى دعايتهم الانتخابية أو فى معاركهم السياسية. إن مصر تتعرض لكارثة حقيقية قد تدخلها عصور الظلام التى خرجت منها أوروبا منذ قرون عديدة، خاصة بعد تخطى عجز الكهرباء حاجز الأمان، ووصل إلى 8 آلاف ميجاوات مرة واحدة. وهذا سيعنى بالطبع ازدياد حالات انقطاع التيار الكهربي، سيعنى ازدياد حالات الوفاة داخل حضانات الأطفال، وسيعنى أن المستشفيات والمصانع ومحطات المياه ستتوقف عن العمل. فمن يتابع خريطة انتشار محطات إنتاج الكهرباء فى مصر سيجد أن مصر بها خمس شركات لإنتاج الكهرباء تمتلك 40 محطة، أكبرها شركة القاهرة لإنتاج الكهرباء، والتى تمتلك ست محطات 5950 ميجاوات، وهى (محطة شبرا الخيمة وشمال القاهرة وغرب القاهرة ووادى حوف وجنوب القاهرة والتبين)، يليها شركة وسط الدلتا التى تمتلك وتنتج 4777 ميجاوات من أربع محطات، هى (طلخا والنوبارية والمحمودية والعطف)، يليها شركة شرق الدلتا التى تنتج 3922 ميجاوات من عشر محطات، وهى (الغردقة وعتاقة وأبو سلطان وعيون موسى والعريش والشباب وبورسعيد وشرق بورسعيد ودمياط وشرم الشيخ)، ثم شركة غرب الدلتا التى تنتج 3701 ميجاوات من سبع محطات، هى محطات (مرسى مطروح وسيدى كرير وكرموز وأبوقير ودمنهور والسيوف وكفر الدوار)، وأخيرًا الوجه القلبى لإنتاج الكهرباء الذى ينتج 3468 ميجاوات من خمس محطات إنتاج، وهى (الكريمات واسنا ونجع حمادى والمولدية وأسيوط). هناك أيضًا المحطات المائية متمثلة فى محطتى السد العالى وسد أسوان 1 و2 التى تنتج 2799 ميجاوات، ومحطات القطاع الخاص متمثلة فى غرب خليج السويس والسويس وسيدى كرير وتنتج 2047 ميجاوات، ومحطات الطاقة الجديدة والمتجددة التى تنتج 687 ميجاوات، ومتمثلة فى محطتى الزعفرانة التى تنتج طاقة الرياح والكريمات التى تنتج الطاقة الشمسية. من هنا يتضح أن إجمالى الطاقة الاسمية من خلال الوضع التصميمى للوحدات المنتجة فى مصر يبلغ 27365 ميجاوات، أما الطاقة الحقيقية المنتجة فهى لا تتعدى 26305 ميجاوات نتيجة وجود أعطال دائمة فى الوحدات أو تقادم الوحدات أو سوء مستوى العمرات أو الأعطال التى لا يمكن حلها أو نتيجة تأخر أعمال الصيانة أو استخدام المازوت، أى أن هناك 1060 ميجاوات مفقودة. ونتيجة لوجود مشاكل فى عدد من المحطات القديمة وخروجها من الخدمة، فإن الطاقة الكلية المنتجة هى 23726 ميجاوات، أى أن إجمالى الطاقة المفقودة بلغ 3639 ميجاوات، حيث شمل الخروج الاضطرارى فى شركه القاهرة الكبرى 777 ميجاوات ووسط الدلتا 785 ميجاوات والطاقة الشمسية 120 ميجاوات وغرب الدلتا 23 ميجاوات، بالإضافة إلى حدوث بعض المشاكل الخاصة بالوحدات نتيجة للخروج المسند أو الخروج الاضطرارى، نتيجة مشكلة أدت إلى فقد 330 ميجاوات بالقاهرة الكبرى، و160 ميجاوات فى شرق الدلتا و210 ميجاوات فى وسط الدلتا، وفى غرب الدلتا فقدت 110 ميجاوات. الغريب أن حدود استهلاك المواطن، بلغت 36 ألف ميجاوات، أى أن العجز الحقيقى فى الشبكة تخطى 8 آلاف ميجاوات، مما ينذر بكارثة حقيقية فى صيف 2013، وعلى الأخص فى شهر رمضان. مهندسو محطات إنتاج الكهرباء رصدوا الأسباب الحقيقية لحدوث الأعطال فى جميع شركات إنتاج الكهرباء فى مصر، والذى أثر بدوره على الإنتاج الفعلى للكهرباء، بما يتماشى مع الاستهلاك، وأدى إلى تكرار انقطاع الكهرباء عن المستهلك نتيجة للضغط، خاصة فى وقت الذروة وفى الصيف تحديدًا، وأعدوا تقارير كثيرة مدعمة بالمستندات وقدموها لوزراء الكهرباء المتتابعين، منذ حسن يونس مرورًا بمحمود بلبع، وأخيرًا المهندس أحمد إمام. التقارير أكدت أن قطاع الكهرباء والطاقة يمتلك خمس شركات للإنتاج، وهى "القاهرة وشرق الدلتا وغرب الدلتا ووسط الدلتا والوجه القبلي"، تمتلك 10 محطات مهددة بفعل المشاكل الفنية وتمثل 25% من عدد المحطات، وهى "شبرا الخيمة وغرب القاهرة والتبين وطلخا والعطف والنوبارية وعتاقة والكريمات والوليدية"، وتنتج ما يقرب من 8783 ميجاوات تعادل 33.5% من الطاقة المنتجة. كما توجد خمس محطات تعانى من مشاكل خطيرة جدًا، وهى "شمال القاهرة وسيدى كرير وأبو قير والشباب الجديدة ودمياط الجديدة"، تمثل 12.5% من عدد محطات توليد الكهرباء، وتنتج ما يقرب من 4393 ميجاوات، أى ما يعادل 16.8% من حجم الطاقة المنتجة فى مصر. فتعانى محطة شبرا الخيمة من تآكل مواسير الغلاية وتلفها، مما أدى إلى كثرة التسريبات لعدم معالجة المازوت قبل استخدامه بالطريقة الصحيحة، كما تعانى محطة غرب القاهرة "ب" الكثير من المشاكل التى ظهرت فى الكراسى ومانع التسرب، بالإضافة إلى تآكل "thurst bearing"، وارتفاع شديد فى درجات الحرارة وزيادة الاهتزازات إلى حدود عالية، فى حين تعانى محطة التبين 15 مشكلة خطيرة تهدد وحدتى المحطة، أبرزها وجود مشكلة فى كيفية أداء الوحدات على الشبكة نتيجة المواصفات الخاطئة التى وضعها الاستشاري، والذى حدد قدرات المولد بجهود معينة وشروط توافق معينة، تلك الشروط وضعت المحطة فى وضع خطير، لأن قدرات المولد وشروط التوافق لا تتناسب مع حال الشبكة الموحدة. وفى وسط الدلتا ورغم أنها تمتلك أربع محطات فقط، إلا أنها تعانى من كم كبير من المشاكل، أول هذه المشاكل فى محطة طلخا ذات القدرة 750 ميجاوات والتى انفجرت، نتيجة وجود 10 نقاط خطيرة، أهمها أنه لم يتم اختبار نظام التشغيل بالسولار، بالإضافة إلى وجود تسارع على غرفة الاحتراق أدى إلى تدمير البلاط الموجود بالغرفة، كما توجد مشاكل فى طلمبات النيل الخاصة بتبريد مكثف الوحدة البخارية، بل إن فترة "الرلايابلتي"، وهى اختبار دخول وثبات الوحدة لمدة شهر لم تتم، فى حين تعانى محطة العطف من 10 نقاط تهدد وجودها من تهريبات داخلية من غلايتى استعادة الطاقة وضياع 125 ميجاوات، والتغاضى عن وضع بلوف عزل يدوية على كباسات الغازB وC، رغم مطالبة مهندسى الهيئة المتكررة بإضافة تلك البلوف، لاستخدامها فى حالة حدوث عطل فى إحدى هذه الكباسات وعزلها يدويًا، بالإضافة إلى توقف الكباسات والفلاتر عن العمل، وانسداد جوانات مبردات المياه. كما دخلت محطات شرق الدلتا العشرة دائرة الخطر، بعد أن تعرضت إحدى المولدات بمحطة عتاقة المطلة على خليج السويس إلى الانفجار، وقد حمل التقرير قيادات المحطة، لأنهم قاموا بالاستمرار فى تشغيل المحطة، رغم سماعهم صوت احتكاكات خفيفة، مما يعنى أن هناك انفجارًا محدودًا بالمحطة، وكان يجب إيقافها لإعادة ترميم العزل، كما أن مسئولى الشركة قاموا بشراء أجهزة بأكثر من 2 مليون جنيه غير مطابقة للمواصفات، حدثت بها أعطال عقب تركيبها بأشهر قليلة، حيث قام قسم صيانة الكهرباء بتوريد وتركيب وحدة كلور وإنتاج مادة الصوديوم "هيبوكلورايت" برقم فاتورة 383 لعام 2008 ولم تعمل سوى ستة أشهر. أما محطات الوجه القبلى الخمس، فقد رصد الجهاز المركزى للمحاسبات الكثير من الدمار، الذى حدث لغلاية الكريمات المركبة، وكان من المفروض أن تتحمل الشركة الصانعة تكاليف الإصلاح، ورغم ذلك اضطرت شركة الوجه القبلى أن تتحمل التكاليف، وما حدث فى كريمات 3 بالغلاية، حدث قريب منه فى كريمات 4، ولكن فى التربينة، ومازالت التربينة خارج الخدمة لدخول مواد غريبة على التربينة، وعندما سئل الجهاز المركزى للمحاسبات عمن يتحمل التكاليف كان رد الشركة الادعاء بأن شركة التأمين هى التى ستتحمل التكاليف، وهذا غير صحيح. أما محطة الوليدية بمدينة أسيوط، فكانت حتى عام 2002 أفصل وأكفأ محطة بالشرق الأوسط، وكان إنتاجها 630 ميجاوات، ولكن بدا العبث بالمنظومات عام 2002 وبدأت المشاكل بعد إيقاف مراوح الغازات بالوحدتين، ثم تلفت الوحدة الأولى والثانية وهبط إنتاجها من 630 إلى 200 ميجاوات بعد أن دمر الفرن بالغلاية تدريجيًا، وتوقفت مئات المرات للإصلاح دون جدوى، وهبط إنتاجها إلى النصف، ورغم تكرار الإصلاحات، لم تعد الوحدة لطبيعتها، والغريب أن المدير العام المسئول عن المحطة قدم فيه عددًا من البلاغات 258/2004 و11/2004 حصر أسيوط. وحتى المحطات الجديدة التى بنتها مصر فى آخر 10 سنوات، لم تسلم هى الأخرى من عوامل التدمير، وعلى الأخص محطات الكريمات 2 والكريمات 3 بالوجه القبلي، بالإضافة إلى محطتى النوبارية 1و2 وطلخا 750 ميجاوات، والعطف بوسط الدلتا، وشمال القاهرة وغرب القاهرة والتبين بالقاهرة، وسيدى كرير وأبو قير الجديدة بغرب الدلتا لإنتاج الكهرباء، والشباب الجديدة ودمياط الجديدة بشرق الدلتا لإنتاج الكهرباء. وأول الأسباب التى تهدد المحطات الجديدة، هى ما يسميه خبراء هندسة محطات الكهرباء "عقود اللونج ترم"، وهى عقود قامت بها الهيئة مع الشركات المصنعة للتربينات لعمل صيانة وعمرات للتربينات لفترات زمنية، ولتلك العقود مجموعة من العيوب أولها أن هيئة الكهرباء ملتزمة باستلام قطع الغيار بسعر الشركة، رغم وجود قطع غيار مماثلة لبعض الأجزاء فى السوق الدولى بسعر أرخص، وثانيها أن هيئة الكهرباء ملتزمة بتغيير الأجزاء التى تحددها الشركة المصنعة بغض النظر، إن كانت تلك الأجزاء صالحة للعمل أم لا، كما أنه لا يحتوى على ضمان لما بعد العمرات، أى أنه فى حالة تأخر مدة العمرة أو انهيار أحد الأجزاء بعد العمرة لا تكون الشركة المصنعة مسئولة عنها، وهذا ما حدث فى محطة النوبارية الوحدة الغازية رقم 3.