لم تصل الثورة بعد إلى منظومة التعليم، رغم قرب حلول الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، ومن الصعب أن تنشد وضميرك مستريحاً بيت الشعر القائل "قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا.. كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا"، فالمعلم المصرى - مع كامل الاحترام له - لا يقوم بأداء رسالته على النحو الذى ينهض به الوطن. الغش يحكم منظومة التعليم، بحثًا عن نتائج وهمية بتفوق المدارس الخاصة والحكومية، والوساطة والمحسوبية شعار الإدارات التعليمية، ومافيا الدروس الخصوصية تمارس أكبر عملية اغتيال لدور المعلم النموذجى، وصار الترهيب والضرب ليس وسيلة تربوية، بل ابتزاز لإجبار الطالب على تعاطى الدروس الخصوصية، بحثاً عن الأسئلة المتوقعة وإجاباتها النموذجية. العديد من الأقارب والأصدقاء يعملون فى مجال التدريس، ويعترفون لى دون مواربة بأن الغش هو سيد الموقف فى امتحانات "التيرم"، حتى وصل الحال إلى أن طلاب الشهادة الابتدائية لا يعرفون القراءة أو الكتابة، لكن إدارة المدرسة – التى أحتفظ باسمها – مضطرة لإخراج النتيجة بنسب نجاح مرتفعة حتى تنال حوافز ومكافآت الامتحانات، وفى المقابل تصدر للوطن جيلاً أميًا يحصد الشهادة تلو الأخرى كمثل الحمار يحمل أسفارًا. نسب الغش فى الامتحانات أصبحت غير مسبوقة، وهناك معلمون يكتبون للطلاب الإجابات على السبورة أثناء الامتحان، وهناك من يكتب لهم فى كراسات الإجابة حتى يرفع نسب النجاح فى مادته، فضلاً عن تسريب أسئلة الامتحانات للطلاب فيما يسمى ب"المراجعات النهائية"، والأخطر من ذلك أن المدرس الذى يرفض التورط فى منظومة الغش، يتم توبيخه والتضييق عليه وربما منعه من القيام بعملية المراقبة. الجميع يعلم "العزومات" التى تتم للمدرسين فى بعض القرى والمدن من أجل "تظبيط" أبنائهم، وتمرير الإجابات لهم، وهناك تهديدات من أهالى لمدرسين بالضرب والاعتداء عليهم حال التشديد فى اللجان، فضلاً عن استخدام تقنية "البلوتوث"، والهاتف المحمول، كأحدث وسائل الغش، وما يتبع ذلك من مهازل فى كنترولات التصحيح، و"هيصة" درجات الرأفة. سألت عددًا من المعلمين عن مدى ارتفاع معدل أداء منظومة التدريس بعد الكادر ورفع المرتبات، فأكدوا لى أن الوضع كما هو.. لا جديد، ولا ارتفاع فى أداء يراعون به ضميرهم وربهم، إلا ما رحم ربى، وهذا ليس تجنيًا على أحد، بل حقيقة يرفض البعض مصارحة نفسه بها، أو يلجأ كعادة المصريين إلى ثقافة التبرير. النموذج الجورجى فيما عرف ب"ثورة الزهور" والذى أشرت إليه فى مقال سابق، اعتمد فى المقام الأول على دعامتين رئيسيتين، الأولى ضبط المنظومة الأمنية وإعادة هيكلتها بشكل حقيقى وشفاف، مما أدى إلى تجفيف منابع الفساد ووقف الانفلات الأمنى، والثانية الجانب التعليمى، الذى كان أكثر القطاعات فسادًا، فرغم أنه كان مجانيًا إلا أن كل شىء كان يتم بالرشوة، وكانت هناك قناعة بأن الثورة لن تنجح إلا بالنهوض بالتعليم، وخضع النظام التعليمي في جورجيا لتحديثات شاملة منذ عام 2004، وتم خفض نسبة الأمية في البلاد حتى وصلت إلى 0.5% فقط، بعد أن أصبح التعليم الأساسى إلزاميا لجميع الأطفال حتى سن 15 عامًا، والثانوية 3 سنوات، أو الدراسات المهنية - كبديل - سنتان، كما تم تغيير نظام الالتحاق بالجامعة، وامتحانات القبول بها، حيث قرروا وضع أربعة امتحانات للقبول من بينها امتحان اختيارى، وكل شىء يتم عبر الكمبيوتر، مما قضى على فكرة الرشوة، لأن التعامل يكون إلكترونيًا، وحسب مجموعك فى الامتحانات يتم تحديد الكلية التى سيتم الالتحاق بها، الأمر الذى رفع كفاءة مخرجات المنظومة التعليمة، ودفع بخريجين جامعيين مؤهلين لسوق العمل، ما انعكس إيجابًا برفع مستوى العنصر البشرى، وبالتبعية الدخل السنوى للمواطن الجورجى، وارتفاع معدلات نمو الاقتصاد الوطنى. ثورة يناير لن تنجح إلا بما نجحت به ثورة الزهور.. الأمن والتعليم، وللحديث بقية..