اتصل بي هاتفياً أخ أكبر مني مقاماً و أسن مني عمراً: و سألني لماذا تتوقف الآن عن سلسلة الروّاد، و قد وعدت بالحديث المتصل عنهم؟ قلت : ربما الشواغل و أشكر لك حسن ظنك، و ها أنذا أعود. هناك أهداف من وراء الكتابة حول دور "الرواد" في عملية الإحياء التي عاشتها "مصر" و لعل من أهم هذه الأهداف: أولاً: توريث القيم العظيمة التي كان يتحلى بها "الرائد" إلى الأجيال الجديدة عن طريق نشرها و إشاعة هذه القيم في مناحي الحياة، مرة عن طريق المقال، و مرة عبر الوسائل و التقنيات المعاصرة، دون إثارة للماضي – كما يردد البعض – و لكن بطريقة بيان السلوكيات الفذّة و التي غابت عن الساحة في كثير من زواياها مقابل السلوكيات السيئة التي نراها الآن. ثانياً: تظل الحاجة مركوزة في النفس البشرية للاسترشاد بتجارب هؤلاء، إزاء التعامل المباشر مع إخوانهم، أخذاً و عطاءً، و مع الآخرين إقداماً و إحجاماُ، و كيفية معايشتهم لأوضاع الهيئة التي ينتسبون إليها، و النصائح التي قالوها أو سمعوها، و الوصايا التي يريدون بثها في الأجيال القادمة في إخلاص و تجرد. ثالثاً: هؤلاء من أعلام "مصر"، من أرض الكنانة، و التي يٌراد لها أن تُخطف في غفلة من أهل الحق، و الذين ضيعوا معالم الحق الأصيل نتيجة الفرقة و التحزّب، و نحن نعرف هؤلاء الأعلام منذ سنوات بعيدة، و لهم تلاميذهم في كل مكان، و من حقهم علينا أن نكتب عنهم – و في ثنايا الكتابة – قد نسرد أسماء البعض بكل احترام – و يوم أن تفتقر الحياة المعاصرة من هؤلاء الأعلام .. يكون هذا دليلاً على عموم البلوى، و من ثم تصبح للآخرين من المتردية و النطيحة شأواً و مكاناُ !! و كما هو حادث الآن !! رابعاً: تأتي هذه الكتابة الآن فتسدّ فراغاً هائلاً في الفضاء المسلم، هذا الفضاء المفتوح لا يحتكره فرد مهما سما أو جماعة مهما كثر قطيعها، لأن هذه النماذج الملهمة –تمثل تدويناً كاملاً للأبعاد الفكرية السائدة في وقتهم، فهي مرآة صادقة لسيرة رهط قديم لم ينحرف به القصد و لم تأخذه شهوة التجميع و التجنيد و الجباية و المال، و هو في النهاية صدىً لحالات صعود "الإنسان" نحو الذري، و هبوطه نحو الهاوية. خامساً: كم يقصّر المحسوبون على التيار الديني و الوطني عامة عندما يسوق الله تبارك تعالى إليهم رجلاً –لازال بينهم – و مع ذلك لا يغشون مجلسه، و لا يجعلوه قبلة لهم عندما تدلهم الخطوب، و كم يجني هؤلاء على أنفسهم، و على أمتهم بالعقوق الذي ران على صدورهم، و هم يحسبون أنهم يحسنون صٌنعاً تنفيذاً لأمر إداري أو طاعة تنظيمية، و لا حول و لا قوة إلا بالله العظيم. من هنا رأى بعض المحبين لهذا الرجل العظيم أن يقوموا بدعوته إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة في جامعة الكويت تحت عنوان [ ثقافة الأمة الإسلامية : الواقع و الواجب] المنعقد في 16-17 من صفر عام 1423ه، و الموافق 29-30 من أبريل عام 2002م. و كان تلامذته – كما أشرنا في مقال سابق – قد صاحبوه في رحلة إلي جنوب شرق آسيا عام 1989م. تُرى ما هو رد فعل الزيارة الأولى؟؟ - و كما أبلغنا الرجل ذاته – و الرجل حي يمكن الرجوع أليه – إن ردّ الفعل تمثل في أسئلة و تساؤلات و تعميمات و أوامر و تكليفات، ما أنزل الله بها من سلطان!! إن الرجل العظيم كان يخطب في مسجد "مصطفى محمود" بالمهندسين، و قد سمع من الثقات أن بقايا النظام الخاص قد هالهم خروجه من "مصر" – و ذهابه إلى تلك "الأرض".. و أنهم يبحثون عن السبب من وراء هذه الرحلة و كيف تمت...[ ماذا أبقوا للأمن.. و ما هذا يا قوم.. بئس الصنيع و حسبنا الله و نعم الوكيل] و سيأتي اليوم و عسى أن يكون قريباً ذكر (أن محبي الرجل و تلامذته موجودون و أن عددهم كبير و أن أسماءهم معروفة و أنهم شامة المجتمع الذي يعيشون فيه و أنهم من حفظة كتاب الله سبحانه و تعالى و لهم من الفقه الشرعي الباع الطويل). نعود إلى زيارة الرجل و خروجه بناء على دعوة محبيه لحضور المؤتمر المشار إليه و تقديراً من إدارة المؤتمر فقد جعلته المتحدث الأول ليلقى كلمة الضيوف و على مدى ساعة كاملة كان فيها أستاذنا سيّالاً كعادته في حديثه عن الأمة و واجباتها.. و قد تم تسجيل زيارته بالكامل بالفيديو. كانت هذه الزيارة فرصة ليذكر لتلامذته و محبيه – في الجلسات الطويلة التي التقى معهم فيها، حال الهيئة التي انتسب إليها و يحمل فكرها – و ما آلت إليه من أوضاع تحتاج إلى تصويب من ذوي النّهى، و أنه لم يجد آذنا صاغية، و أن بقايا النظام الخاص قد تحكّم فيها مع أن البناء كله الآن بعيد تماماً عن معاير الهيئة التي وضعناها لأن: البناء لم يقم على الصدق.. و الأمانة غائبة و شهوة النفس هي التي تقود!! كيف؟ إن هذا كلام يحتاج إلى تفصيل: [ بعد وفاة عمر عبد الفتاح التلمساني اتفق الجميع –كبار السن و مكتب الارشاد – و أنا معهم – أن يختاروا من بينهم واحداً ليخلف التلمساني – فكانت النتيجة اختيار الدكتور مهندس "حسين كمال الدين" بالإجماع خليفة للتلمساني، و قد تواصى الجميع على بيعته و العمل تحت قيادته و بعد أن تمت البيعة بحضوري أنا فريد عبد الخالق، و قد هنأ بعضهم بعضاً]، و للعلم فإن الدكتور حسين كمال الدين كان عضواً بمكتب الإرشاد و كان من أخلص الرجال العظماء و كان القوي الأمين الحافظ لضوابط الهيئة و كان ضد ما يسمى بهيمنة بقايا النظام الخاص، كما كان أستاذاً بكلية الهندسة (هل هناك أحد من الشباب يتذكره؟؟ أم يريد البعض غمط هؤلاء الرجال الأقوياء و وضع الحواجز نحو معرفة ماذا جرى)و كان الدكتور حسين كمال الدين عميداً لكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، و أي متخرج من تلك الكلية أو زائر لها عندما يطالع عمداء الكلية منذ نشأتها سوف يجد صورته من ضمنهم و قد ذهب مع غيره إلى الرياض – عاصمة السعودية حيث يعمل أستاذاً بكلية الهندسة فيها – و هو صاحب نظرية (مكةالمكرمة مركز العالم) و يعد الوحيد المتخصص في العالم العربي في علوم المساحة. نعود لاستكمال القصة [بعد أن تمت البيعة للدكتور حسين كمال الدين خلفاً للتلمساني و ارتاح الجميع بهذه البيعة و بدأنا نبلغ الآخرين، ما هي إلا ساعات (يوم أو بضع يوم) حتى قام بقايا النظام بحركاتهم القديمة و الجديدة و التي تسري في دمائهم و تآمروا فيما بينهم و حرّضوا بعض الشباب و تنادوا بنقض هذه البيعة التي تمت و اختاروا بديلاً سريعاً كان أصلاً ممن بايع الدكتور حسين كمال الدين- !!! – و قد التقاه أستاذنا فريد عبد الخالق و سأله في أسي: لماذا حنثت في بيعتك و نقضت عهدك أمامنا؟؟ كان رده: جاء إليّ فلان و فلان و أمراني أن أكون المرشد فلم أعص لهما أمراً ( إن الرجل رحمة الله كان لا يهش و لا ينش و كان الموقع أكبر منه كثيرا كثيرا، و كان بقايا النظام الخاص يريد رجلاً يؤمر فيطيع فكان هذا الرجل)، و ماذا حدث بعد ذلك، لقد أدت الفتنة التي قام بها نفر من النظام الخاص إلى سقوط القيم العظيمة و التي قامت عليها الهيئة، و انسحب الكبار من هذه (اللعبة الملعونة) – و التي سوف يتحمل وزرها من سعى إليها]، ما الفرق بين ما حدث الآن و ما يحدث في دهاليز الأحزاب الأخرى؟ لا شيء، و ما الفرق بين ما حدث و بين ما يحدث في دهاليز الحكومة؟ لا شيء. يا قوم: لا يغرنكم ما حدث: فإن هذا امتداداً لتاريخ النظام الخاص و هو تاريخ – قالوا أنه لمحاربة الانجليز و الجهاد – و إذا به تاريخ لوث الهيئة في كل مواقفه، و هو تأبيد لما ذكره كل من المخلصين بعد ذلك سواء في مذكراتهم أو في ندواتهم من أن هذا النهج الذي ساد بالقوة و بالكذب و التدليس و الخديعة... و قد أدى إلى أن يقتل الأخ أخاه و ما حادث الشهيد "السيد فايز" ببعيد !! و سوف نكتب عنه في وقت لاحق. إن البناء القائم الآن مهما تزياً بالمظهر الخلاب فلن يرى البركة لأن الله لا يصلح عمل المفسدين.