أجرت جريدة "صوت الأزهر" الغراء حوارًا مطولًا مع الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب جامعة حلوان، وقد جاء في هذا الحديث أخطاء تاريخية وهي من الثوابت، لم يدور حولها جدال أو اختلاف، ووقع خلط لدى الدكتور عاصم، بين الإمام الأكبر مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر الأسبق، وبين شقيقه علي عبد الرازق، صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي يشيد الدكتور به كثيرًا، جريًا وراء فكره اليساري الذي ينكر هو الآخر وجود دولة في الإسلام، وقد قرأت له كثيرًا حول هذا الموضوع في مجلة "أدب ونقد" التي تصدر عن حزب التجمع، لذا وجب التنويه والرد عليه. وفي سياق حديثه عن دور الأزهر التاريخي زعم الدكتور عاصم أن السلطان العثماني سليم الأول فاتح مصر، هو الذى أنشأ مشيخة الأزهر عام 1525.. كيف؟؟!! والسلطان سليم رحل في 22 سبتمبر 1520م، بعد أن أتم فتح مصر سنة 1517، أما مشيخة الأزهر فقد أنشئت في عهد السلطان محمد الرابع الذي تولى الخلافة في الفترة من 8 أغسطس 1648م وحتى الفترة 8 نوفمبر 1687م، وقد أنشأت المشيخة في عهده عام (1090ه =1679م)، وكان أول من تولى المشيخة الشيخ محمد الخراشي المتوفى (1101ه - 1690م)، نظرًا لما وجده العثمانيون من ثقل لعلماء الأزهر في تعاملهم مع المجتمع وحفاظهم على الحضارة الإسلامية وعلوم العربية والشرعية، واستمر هذا الدور حتى مجيء الحملة الفرنسية، التي وقف الأزهر لها، وكان مهدًا للثورة عليها، وهناك نقطة مهمة للغاية هي أن علماء الأزهر هم الذين سافروا إلى الشام للترحيب بالسلطان سليم الأول ودعوته لفتح مصر، بعد أن تبادر إليهم تحالف المماليك مع الصفويين الروافض، الذين تعاونوا سرًا مع القوى الأوروبية، التي كانت تبغي تطويق العالم الإسلامي واحتلاله لولا ظهور الدولة العثمانية التي أجلت هذا الاحتلال الصليبي قرابة خمسة قرون، حافظت هذه الدولة العثمانية على استقلال الدول وحمايتها من العدوان الخارجي، وهذا مثبت في كتب التاريخ الثقاة على رأسهم المؤرخين الثقاة الذين عاصروا هذه الدولة منهم: ابن العماد الحنبلي في كتابه "شذرات الذهب"، والمرادي في كتابه "سلك الدرر في تراجم القرن الحادي عشر"، وأبي السرور البكري، والجبرتي في كتابه "عجائب الآثار"، والشوكاني في كتابه "البدر الطالع" وصولًا إلى محمد فريد في كتابه الموسوعي "تاريخ الدولة العلية العثمانية"، والدكتور عبد العزيز الشناوي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الأزهر، وهو الذي ألف الموسوعة القيمة "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، سردنا ذلك لأن الدكتور ينتمي إلى التيار اليساري الذي يرى أن الدولة العثمانية دولة استعمارية، وكان يرى الفريق الذي ينتمي إليه الدكتور الدسوقي، أن الأزهر ليس له دور في التاريخ، وكم حرضوا الحكام على إلغائه، وهذا مما قاله صلاح جاهين حينما قال "لو كنت مكان نابليون ما اكتفيت بهدم الأزهر ولكن رميت برجاله في البحر"، وفجأة ظهر للأزهر تاريخ ينبغي الإشادة به، وهو في رأيي تكتيك مؤقت نكاية في فصيل بعينه. وزعم الدكتور أن الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر (1945- 1947) هو مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" سنة 1926، وهذا خلط بينه وبين شقيقه علي عبد الرازق الذي ألف الكتاب، وقد أجزم العديد من العلماء الثقاة الأجلاء أن علي عبد الرازق سطا على بحث للمستشرق الإنجليزي مرجليوث (ت 1941) ومنهم الدكتور محمد ضياء الدين الريس الذي ألف كتابه "النظريات السياسية الإسلامية" سنة 1952، فند فيه آراء علي عبد الرازق، وفي سنة 1976 أصدر كتابًا بعنوان "الإسلام والخلافة في العصر الحديث" نقد فيه الكتاب السابق، والجديد أنه شكك فيه بأدلة قوية أن يكون الكتاب من تأليف الشيخ علي، ومن هذه الأدلة : لم يعرف عن الشيخ قط أنه كان باحثًا، أو مفكرًا سياسيًا، أو حتى مشتغلًا بالسياسة، ولا يعقل أن يقصد قاض شرعي مسلم من عائلة محافظة الهجوم على الإسلام، وينكر ما فيه من سياسة وحكم، وجهاد وقضاء، ولا يعقل أن يكون هذا الشيخ الأزهري قد تعلم قي الأزهر ما يورده في كتابه من أحاديث عن "قيصر" و"عيسى" و"متى" و"الإصحاح" و"الإنجيل"، ويتكلم الكتاب عن المسلمين بضمير الغائب، كقوله: ذلك الزعم بين المسلمين... غير مألوف في لغة المسلمين... الخلافة في لسان المسلمين... إلخ، والكتاب يدافع عن المرتدين، وينتقد أبا بكر، وشهادة الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في أحد كتبه، وهو كعلي عبد الرازق ينتسب إلى حزب الأحرار الدستوريين، يقول الشيخ بخيت: "... علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس له فيه، إلا وضع اسمه عليه فقط، فهو منسوب إليه فقط ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا العار"، وقدم الدكتور الريس كتابه الذي أصدره سنة 1952 وهو "النظريات السياسية الإسلامية" قدمه لعلي عبد الرازق وطلب منه الرد على ما جاء فيه من تفنيد لكتاب "الإسلام وأصول الحكم". ولم يرد علي عبد الرازق، ورفض علي عبد الرازق أن يعيد طبع كتابه بعد أن ألحت عليه "دار الهلال" في إعادة طبعه. وقد تعجبنا وتعجب معنا آلاف القراء أن يشيد الدكتور الدسوقي بعلي عبد الرازق وكتابه، في حواره مع الجريدة التي تصدر من الأزهر الشريف الذي وقف بالمرصاد لمثيري الآراء الضالة والأراجيف، وردهم إلى جحورهم، وفند آراء علي عبد الرازق وسحب منه شهادة العالمية (لم يكن من هيئة كبار العلماء كما زعم الدكتور الدسوقي) احتجاجًا على أفكاره، وكانت غيرة العلماء إسلامية في المقام الأول واستغلها حزب الأحرار الدستوريين، الذي كان يناصر الأفكار المنحرفة في هذا الوقت من باب الكيد السياسي، في خلع صبغة الزعامة عليه، علمًا أن علي عبد الرازق نفسه تراجع عن آرائه في حواره مع الدكتور أحمد أمين في مجلة رسالة الإسلام في سنة 1951، وأثبتها الدكتور محمد رجب البيومي في كتابه "كتاب الإسلام وأصول الحكم في الميزان". أما زعمه بأن هناك فريق يريد اختطاف الأزهر فينبغي أن أوضح له أن هذا الفصيل الذي يلمح إليه ويشيطنه اعتماًدا على كيد سياسي، معظمه ينتمي إلى هذا المعهد العريق، ويبغي عزته ومجده، والعودة به إلى سابق عهده...