كانت مفاجأة مبهجة أن أرى وزير السياحة المصري السيد هشام زعزوع في بورصة برلين للسياحة، وهو يتحدث أمام الصحافة العالمية والمستثمرين وملاك شركات السياحة.. بهذا التمكن من حيث مقدرته على تقديم موضوعه في تسلسل ينبئ عن مهنية شديدة.. وبلغة إنجليزية مريحة لجمهور الحاضرين. كان موضوع الوزير لهذا العام هو تقديم سبق سياحي عن طريق تسويق فنادق بيئية في مصر.. علا ذلك يكف بصر السائحين عن النظر إلى أهم مشكلتين تعاني منهما السياحة المصرية عبر السنين..المشكلة الأولى هي سوء المعاملة التي يتعرض لها السائح في مصر عن طريق التحرش به من قبل المصريين الذين يلقاهم في المناطق السياحية.. أما المشكلة الثانية فهي تحرش الدولة به بشكل رسمي عن طريق توفير القمامة له على كل الطرق والجسور والترع التي يتجول عليها.. فلا يكاد يقضي السائح خمس دقائق في تجواله داخل مصر دون أن تقع عيناه على قمامة متناثرة هنا وهناك.. وهو شيء لم يعتده السائح الأوروبي في بلده.. ولا حتى السائح العربي أو الإيراني.. حيث إن طهران أنظف من القاهرة، ومسقط أنظف من القاهرة.. وأسفاه. المدهش أن الوزير يعرض الفنادق البيئية أو الفنادق الخضراء، وهذا جميل.. ويغفل إمكانية تراكم القمامة على بعد أمتار من الفندق المذكور.. ولما وجه صديقي المصري، صاحب شركة السياحة المقيم في ألمانيا، والمهموم على مصر.. سؤال كنا قد اتفقنا سويًا على تقديمه للوزير هذا نصه: سيادة الوزير أين الإنسان المصري في حساباتك وأنت تعرض على العالم الفنادق البيئية؟ لم يجب الوزير واعتبر أن صياغة السؤال غير مفهومة. السيد الوزير هو وزملاؤه الأكبر سنًا وحتى الأصغر وعدد هائل من القائمين على الإعلام والدعاية والتوعية لحساب وزارة السياحة.. جميعهم يسمون أنفسهم "الخبراء السياحيين".. ونحن نحترم خبرتهم.. هل يجوز عرض فنادق بيئية دون وضع برنامج للتوعية الشاملة على مستوى القطر المصري للفرد العادي حتى لا يخرج السائح من الفندق، فيجد أن الإنسان المصري قد ألقى مخلفاته على بعد خمسة أمتار من الفندق،(امتلك ما يشبه الفيلم التسجيلى لآراء عدد من السائحين في مسألة تراكم القمامة في ربوع مصر, كما امتلك تجربة وفكرة للحل عن طريق التوعية بقيمة النظافة تخلق شريحة من المصريين لا تقل عن عشرة ملايين مصري خلال عدة أشهر). يعلم جميع خبراء وإعلاميو السياحة أن الوزارة أنفقت الملايين على الدعاية من أجل توعية المواطن المصري ولم يتغير شيء بل كان دائمًا يزداد الوضع سوءًا... في ظل وجود هؤلاء السادة الخبراء تواجدت القمامة في العشرين سنة الأخيرة دون انقطاع أمام أعين السائحين.. وفي ظل وجود هؤلاء الخبراء لم ينقطع ابتزاز السائحين والتحرش بهم في العشرين سنة الأخيرة. ليس صحيحًا أن التحرش أو القمامة وليدين جديدين بعد الثورة..لا, هما مولودان مكتملا النمو في العشرين سنة الأخيرة.. ولكنهما تواءما مع الانفلات العام للإنسان المصري فأخذا أبعادًا أخرى جديدة بعد الثورة جعلتنا نتوهم حداثة المشكلتين. طبعًا الدولة البوليسية بنظامها السابق فوتت جميع الفرص لعلاج هاتين المشكلتين حيث كان المخبر السري يستطيع إرهاب أستاذ الجامعة.. ليته أرهبنا فيما ينفع مصر ويرفع شأنها.. لكني أدين في المقام الأول خبراء وزارة السياحة وإعلامها الذين لم يضعوا خطة قومية إبداعية لحل هاتين المشكلتين تأتي بنتائج ملموسة بعد كل حملة توعية.. الوطنيون يخجلون عندما يرون نظرات الازدراء في عيون السائحين بسبب تراكم القمامة وسوء المعاملة.. والخبراء والإعلاميون يتحاورون في التلفاز ويسافرون حول العالم.. والنتيجة الأكيدة أنهم لم يعالجوا أهم مشكلتين تضران بالسياحة وتحول مصر إلى دولة طاردة.. وتخلف لدى السائحين انطباعًا متباينًا بين الإعجاب بالحضارة المتفردة والتعجب من القمامة المتفردة.. وبالتالي تجعل أحاديثهم وسفراتهم بلا فائدة حقيقية لصالح الوطن. هناك حل للمشكلتين وهو تحريك حملتين متوازيتين: الأولى هي وضع خطة فورية للتوعية بقيمة النظافة بالتنسيق مع وزارتي التربية والبيئة للدخول للمدارس الابتدائية على مستوى مصر.. تجربتي الفردية التي ضحيت فيها بالوقت والمال الذي اقتسمته بين فكرتي وبيتي.. أظهرت نجاحًا باهرًا لدى أطفال المدارس الابتدائية..على أن يتم ذلك من خلال برنامج دائم قابل للتطوير.. فلماذا نؤجل تنفيذ تلك الفكرة التي ستكون البداية لنهاية سعيدة تشمل مصر كلها نسوق بعدها بلدنا تحت أعظم عنوان (انتظروا مصر النظيفة في العام 2015).. إذا وضعت خطة التوعية في مصر والدعاية في الخارج بإتقان.. يمكننا إعادة إبهار العالم بشيء جديد كاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.. في نقاشي مع سائح ألماني حول تأثير القمامة على السياحة.. قال لي إنكم تستطيعون تسويق مصر الخالية من القمامة مثل تسويق أعظم الاكتشافات الأثرية. الثانية هو تشكيل فريق من المتطوعين من العلماء على سبيل المثال لا الحصر أمثال الدكتور مجدي يعقوب, فارق الباز,عمرو خالد, مع بعض نجوم الرياضة المخلصين من غير المزايدين, مع خبراء من الأمن القومي والسياحة والاقتصاد والأمن العام والتنمية البشرية وعلم النفس والأزهر والكنيسة لعقد محاضرات عاجلة في المناطق السياحية (الهرم..الأقصر.. إسنا.. إدفو.. كوم أمبو..أسوان..أبو سمبل أيضًا على سبيل المثال لا الحصر) عن حسن معاملة السائحين مع إبراز نماذج لحسن معاملة السائح في دول أقل منا بمراحل فيما تملكه من حضارة، على أن يواكب ذلك أمران في تلك المناطق السياحية وهو إنشاء مدارس دائمة في تلك المناطق للتوعية السياحية ومراعاة تطوير الذوق العام للمتعاملين ولغير المتعاملين مع السائحين..وكذلك محاولة إقناع بعض المستثمرين إنشاء عدة مصانع في تلك المناطق لشفط الأعداد الزائدة من الشباب والبائعين الذين يمثلون فائضًا كبيرًا عما تقتضيه الحاجة في الأماكن السياحية وهو جزء أصيل من المشكلة. [email protected]