أعلنت جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "حركة تحرير دلتا النيجر" أنها تخطط لأعمال عنف ضد منشآت النفط في المنطقة ، وحددت الجماعة موعد بدء حملتها بتاريخ 25 إبريل 2005 . وكانت الحكومة النيجيرية قد أعلنت في العام الماضي أنها اكتشفت تنظيماً إسلامياً متطرفاً في دلتا نهر النيجر يصل عدد أعضائه إلى عشرة آلاف فرد . وهذا التنظيم يهدف إلى تخريب صناعة النفط النيجيرية وخطف وقتل العاملين في تلك الصناعة لضرب الاقتصاد النيجيري وإضعاف الحكومة النيجيرية وصولاً إلى إسقاطها وإقامة دولة إسلامية في نيجيريا . وليس غريباً ظهور مثل هذا التنظيم في دولة مثل نيجيريا ذات غالبية مسلمة ، ولكنها غالبية محرومة بسبب سياسات الحكومة التي تسيطر عليها العناصر المسيحية التي مكّن لها الاستعمار البريطاني في تلك البلاد وأمدّها بكل قوة تحتاجها لإدامة السيطرة هناك . ولم يكن هناك في القرن التاسع عشر شيء اسمه نيجيريا ، بل كان هناك دولة قوية هي الإمبراطورية الإسلامية في سوكوتو . وكانت هذه الإمبراطورية قد تأسست عام 1817 من قبل الشعب الفولاني المسلم ، وكانت تشمل نيجيريا الشمالية وجزءاً كبيراً من النيجر حالياً وغالبية أجزاء الكاميرون ، وكانت تمارس هيمنتها على الشعوب المحيطة بها . وعندما بدأت الأطماع الأوروبية في قارة أفريقيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وانتشرت المستعمرات الفرنسية والبرتغالية والألمانية والبلجيكية والهولندية والبريطانية والإسبانية في القارة ، أصبحت الإمبراطورية الإسلامية في سوكوتو محطّ أطماع كل من فرنساوألمانيا ، وبدأت هاتان الدولتان تتطلعان للسيطرة عليها . لكن ازدياد التنافس بين الدول الأوروبية على الاستعمار في أفريقيا كاد أن يؤدي إلى اندلاع حرب بين هذه الدول . لذلك دعت ألمانيا، وكانت آنذاك دولة طامحة للدخول إلى ميدان الاستعمار ، مختلف القوى الأوروبية لعقد مؤتمر للتباحث حول مصير أفريقيا . وانعقد هذا المؤتمر في برلين في الفترة من 15 نوفمبر 1884 إلى 26 فبراير 1885 ، وحضره مندوبو أربع عشرة دولة هي "النمسا والمجر وألمانيا وبلجيكا وهولندا وفرنسا وبريطانيا والدنمارك والنرويج والسويد وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة وتركيا" . ويعتبر هذا المؤتمر من أهم المؤتمرات في تاريخ أفريقيا ، ويعدّ نقطة بارزة في الصراع الاستعماري على القارة ، وقد تم فيه وضع أسس تقسيم أفريقيا بين الدول الأوروبية دون مراعاة لأي تكافؤ اقتصادي أو لغوي وحضاري . فقد قسّم المؤتمرون القارة إلى أشلاء لا تتكافل مع نفسها ، لكن تشبع أطماع الدول الأوروبية المستعمرة . ولم تنتهِ آثار مؤتمر برلين السيئة باستقلال المستعمرات فلعنة هذا التقسيم العشوائي تلاحق الدول الأفريقية الجديدة بصورة حروب أهلية أو نزاعات لا تنتهي على الحدود . وفق مقررات برلين ، فقد أصبحت دولة سوكوتو الإسلامية من نصيب بريطانيا ، وهكذا رفعت كل من ألمانياوفرنسا يدها عنها . وكانت بريطانيا قد احتلت عام 1861 مدينة لاغوس على ساحل المحيط الأطلسي ، وبدأت من هناك حركات التبشير بالمسيحية الإنجليكانية ، وراح المبشرون المدعومون من قِبل سلطات الاحتلال يتوغلون في داخل نيجيريا وينشرون المسيحية واللغة الإنجليزية بين القبائل التي كانت تعتنق الوثنية آنذاك . وتوسّع الاستعمار البريطاني في الجنوب ، وتطلع الإنجليز نحو إمبراطورية سوكوتو في الشمال وراحوا يناوشونها . وفي عام 1898 قام الإنجليز بقيادة فردريك لوجارد بعملية غزو واسعة لسوكوتو ، واستبسل الخليفة المسلم الطاهر أحمد في الدفاع عن دولته ، لكن أسلحة الإنجليز الحديثة تفوّقت على جيوش الخليفة . وفي النهاية دخل لوجارد إلى العاصمة سوكوتو عام 1903 واستشهد الخليفة الطاهر أحمد وانتهت دولة سوكوتو . وفي عام 1914 قام المستعمرون بضمّ المحميتين الشمالية والجنوبية في دولة واحدة سميت "نيجيريا" وبدأ المستعمرون في تهميش المسلمين جرياً على عادتهم في تهميش الجماعات التي تقاومهم كما حدث للمسلمين في الهند ، واعتمدوا على معتنقي المسيحية من النيجيريين في إدارة شؤون البلاد . وبعد انهيار الإمبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الثانية اضطرت بريطانيا إلى إعطاء المستعمرات استقلالها ، وهكذا استقلت نيجيريا عام 1960 ، وقبل استقلالها ، كانت بريطانيا قد أعدّت فيها حكومة موالية لها ومن العناصر المسيحية . لكن لم يكد المستعمرون يخرجون من هناك حتى اندلعت الصراعات العرقية والطائفية بين الخليط غير المتجانس من سكانها ، وزادت حدّة الصراعات بعد اكتشاف النفط في منطقة دلتا النيجر عام 1964 . فقد أصبحت عائدات النفط تذهب بشكل مستمر إلى جيوب المتنفذين في الحكومة من العناصر الموالية لبريطانيا والغرب ، وتم حرمان الشعب ولاسيما المسلمين من أي عائدات . وكان طبيعياً أن يفكر المسلمون في نيجيريا بالثورة على الظلم التاريخي الذي وقع لهم وعلى الظلم الذي يعانونه من الحكومة النيجيرية التي تتلقى كل أسباب الدعم من الغرب . وكان طبيعياً أن تظهر تنظيمات إسلامية مسلحة تدعو إلى إحياء الدولة الإسلامية في نيجيريا ، وبعيداً عن نظرة الحكومة النيجيرية لهذه التنظيمات ، فإن الحقيقة الساطعة هي أن المسلمين في تلك البلاد يعانون من التهميش المبرمج ، وعلى الحكومة إذا كانت جادة في التخلص من التنظيمات الإسلامية المتطرفة أن تعيد الحقوق التاريخية والمشروعة للمسلمين، ذلك أن تفشي ظاهرة التهميش يساهم بشكل كبير في تمزيق الأوطان وتشتيت أواصرها وإضعاف بنيانها، كما أنه يشجع على خلق مشكلات وصراعات عنيفة تؤدي في كل الأحوال إلى الفساد نتيجة الجوع والفتنة والثورة، لأنه ما من شك أن استئثار جهة ما بكثير من المزايا والثروات والفوائد على حساب جهات أخرى يولد روح الانتقام التي لا تحمد عواقبها ويحرض على إشاعة الفوضى ويدعو إلى تزايد الأحقاد والتطرف والعنف والأزمات الاقتصادية والاجتماعية على وجه أخص . كاتب من الإمارات[email protected]