* سيد فقد بصره فى حادث مأساوى.. ورفضوا علاجه على نفقة الدولة *يكرر رائعة "الكيت كات".. . ويتقن تصليح عفشة كافة موديلات السيارات *سيد : أتمنى رؤية ابنى "ريان" رائعة فيلم "الكيت كات" للمخرج داود السيد والنجم محمود عبدالعزيز، تتكرر بشكل حقيقي وليس سينمائي، فلم يكن يصدق "سيد ريان" أن الفيلم الذي شاهده عدة مرات على شاشات التلفاز يمكن في يوم من الأيام أن يصبح بطله على أرض الواقع. الميكانيكي الكفيف الذي جاء إلى الدنيا وهو ينعم بنور البصر، شاءت الأقدار أن يسطر قصة ألم وأمل، تكشف عما لاقاه إنسان مصري أصيل من إهمال وإهدار لأبسط حقوقه في أن يجد من يوقف نزيف دمائه، وما سطره من قصة تحد وإعجاز تقف أمامه مندهشا ولسانك يردد .. سبحان الله. سيد ابن ال 27 عاما.. وقبل ثماني سنوات، وقد استلقى أرضا يصلح سيارة نصف نقل، فإذا بمسمار ربط ينطلق مخترقا أعلى حاجبه.. تدفقت الدماء بغزارة .. فهب صديق عمره "محمد" لينزع المسمار في محاولة لوقف النزيف، وهو يهرول لمستشفى القصر العيني بحثا عمن ينقذ عين "سيد"، لكن يد الإهمال تركته ينزف من الساعة ال 12 ظهرا وحتى فجر اليوم التالي، دون أن يتعد حدود التدخل الجراحي سوى "غرز" للملمة الجراح. راح في غيبوبة استمرت 20 يوما لا يدري مصير عينيه .. ترقب شعاع النور يتسلل إليه.. لكن إرادة الله فوق كل شيء.. ظل 9 أشهر، يبحث هنا وهناك عن دواء دون بارقة أمل.. رفضت "الصحة" علاجه على نفقة الدولة.. كان في حاجة ماسة لزراعة عصب.. لم يجد من يتكفل نفقاتها، فعاد يندب حظه العاثر وأسرته تبكيه وقد فقد بصره. حكمة شيخ مسن أعادت له الأمل وبثت في قلبه الطمأنينة، حيث أخذ يعاتبه على حاله، قائلا له: "مين اللي عملك كدة.. فرد عليه.. ربنا، فقال له إذن فارض وسلم أمرك ليه". تحدث سيد ريان ل "المصريون" وهو يعمل في ورشة بشارع المجزر الآلي بمنطقة المنيب بالجيزة، قائلا "حينها أنصت له ولصوت العقل وقررت أن أعود لعملي ومهنتي التي أتقنها منذ صغري، والفضل لله وفي صاحب الورشة وصديق عمري "محمد بتلو" والذي وافق دون تردد على عودتي، وأصر على إعادة الثقة لي في نفسي وقدراتي، قائلا لأهلي "مش عايز حد يحسسه أنه مبيشوفش". يضيف: كنت بخاف في الأول .. لكنه كان يصر على القيام بنفسي بتصليح عفشة السيارة، حتى عدت أفضل مما كان، أصلح جميع موديلات السيارات وأستخدم جميع أنواع المفاتيح والمفكات، وأقود السيارة بنفسي داخل الشارع الكائن به الورشة، دون أن يعرف الكثير من الزبائن أنني كفيف، وعندما يعلمون فلا يملكون سوى الاندهاش وعدم التصديق، وسؤال الجيران وصبيان الورشة حول حقيقة ذلك. سيد يعمل 12 ساعة يوميا ما عدا يوم الأحد، الذي يعد أجازته الأسبوعية، ويعاونه "محمد دبة" وهو صبي في العاشرة من عمره لإحضار المفاتيح التي يحتاجها لتصليح السيارة، وله زبائنه داخل القاهرة وخارجها، وهناك من يطلبه بالاسم، والمدهش أن صاحب الورشة الأسطى محمد يعتمد عليه بشكل كامل، فهو على حد وصفه "صنايعي" وأمين في مهنته، وقلة الشوف زادته ذكاءً وإحساسا عاليا بصوت السيارة فيشخص تلقائيا العيوب التي تعانيها. وحول قصة رجوعه للعمل بعد إصابته بالعمى وغيابه عاما ونصف العام، يقول "عندما طلب الرجوع وافقت فورا، فهو بالنسبة لي أخ، ووقفت بجواره وزادت ثقتي به مع كل سيارة يقوم بتصليحها، ورغم تعرضي لضغوط كثيرة من البعض لعدم الاستعانة به كونه كفيفا وأنه لن يستطيع أن يقنع الزبون بمهارته، فإنني تمسكت به وأنني مسئول عن الشغل الذي يخرج من الورشة، وهذا ليس عطفا مني، فهو شاطر بالفعل، وأحسن من ناس كتير بتشوف، وفوق ذلك عزيمته قويه بشكل لا يمكن تخيلها، ويحب أن يعمل كل شيء بنفسه، وكثير من الزبائن تتعامل معه وهي تظن أنه "مفتح"، وعندما تعلم بعماه تذهل وتردد "سبحان الله". يتابع: لن أقف في طريقه إذا أراد أن يستقل عني ويفتح ورشة خاصة به، وسأظل بجواره وعيني عليه فهو أخي، ولا أستطيع أن أحرمه من أي أمل يراوده، وربنا يعوض عليه في ريان. زواج كفيف أما زواجه فقد كان له موقف رافض بشأن ذلك، والكلام على لسانه "كنت أخشى أن يقال أنني كفيف"، لكن والدي أصر على زواجي وأقنعني زملائي بذلك، فكانت القسمة والنصيب، حيث أسكن ببيت والدي بمنقطة ترسا، وقد رزقني الله ب "ريان"، والذي أتمنى فقط أن أراه. بحسرة واستنكار قال: "دي بلد الجنيه والكوسة، ولو كنت فنانا زي أحمد زكي كانوا عالجوني، لكن حسبي الله ونعم الوكيل، أما معاشي فحدث ولا حرج .. 160 جنيها، والأغرب أنني عانيت الكثير لكي أحصل على شهادة الإعفاء من التجنيد رغم أنني كفيف، كما رفضت محافظ الجيزة منحي "كشك" يكون مصدر رزق كريم لأسرتي، لكن والحمد لله فأنا مستور، ولا أريد شيئا من أحد سوى الله، وأدعوه أن يريني ابني، وأن يرزق أمي حج بيته الحرام، فقد مرضت بسبب إصابتي وحزنت لفقداني البصر، ومهما أفعل فلن أوفيها حقها". مهارة "سيد" أمر يستحق التقدير والإشادة، وحالته تمثل قصة تحد سطرها مصري كفيف، لكن حجم الظلم الذي تعرض له خلال السنوات الماضية آن الأوان أن يرفع بعد ثورة يناير، وأن يجد آذانا صاغية تقدر كفاحه، وترفع عنه بعضا مما لاقاه من غبن لم يسلم منه الكفيف. شاهد الفيديو: