نصت دساتير غالبية الدول العربية والإسلامية على أن الإسلام دين الدولة، وهناك زيادات أخر في بعضها كالقول: إن الشريعة الإسلامية أو مبادئها مصدر رئيس، أو المصدر الرئيس للتشريع ونحو ذلك، وهي مع ذلك لم تغفل النص على حرية ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين. والدساتير حين تفعل ذلك فهي لا تنشئ وضعا ليس له وجود سابق، بل لم تزد على أن قررت واقعا موجودا منذ بدأ الإسلام؛ فالإسلام كما أوحى الله به إلى عباده المرسلين كلهم من آدم إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا يقرر: "إن الأمر كله لله"، ويقرر إن الله "له الخلق والأمر"، ويقرر: "إنْ الحكم إلا لله"، فالإسلام ليس محصورا في بعض العبادات القلبية أو الفردية، بل دين يرعى شئون الحياة كما يرعى شئون الممات، ويرعى شأن الدنيا كما يرعى شأن الآخرة، ويرعى شأن المجتمع كما يرعى شأن الفرد، ويرعى أعمال الجوارح كما يرعى أعمال القلوب، فالإسلام دين بكل ما تحمله كلمة الدين من الشمول والعموم، والمسلم الذي رضي بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا يقبل ذلك ويرضى به ويدعو إليه ويجاهد في سبيله، حتى وإن كان من أهل المعاصي والسيئات، فكون الإسلام دينا لدولة المسلمين هو أمر طبعي ولا غرابة فيه، بل الغرابة كل الغرابة أن تكون الدولة في بلاد المسلمين بلا دين، أو يكون الدين غير الإسلام. وما يدعو إليه الموتورون ومثيرو الفتنة بين الفينة والأخرى بحذف تلك المادة من الدستور بزعم عدم التمييز أو المحافظة على شعور الأقلية أو حقوقهم، أمر غاية في السقوط، فما من إنسان أو دولة إلا وله دين يتدين به، فالمسلم له دين واليهودي له دين والنصراني له دين والبوذي له دين والعلماني له دين والملحد له دين، إذ الدين يراد به الطاعة وما يترتب على ذلك من التزام وجزاء، فالملتزم الطائع لدينه يثاب، والمتفلت العاصي له يعاب، فكل واحد من هؤلاء له دين أي أمورا وقضايا يرى الالتزام بها وطاعتها وعدم الخروج عليها. والخلاصة إن المسلم له دين والكافر له دين، لكن دين المسلم هو الإسلام وهو الدين الحق "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، والكافر دينه باطل، لذا فالمسلم يعلن البراءة منه كما قال الله تعالى"لكم دينكم ولي دين". فالداعي إلى أن يكون الدستور خاليا من النص على دين الدولة هو إنسان أشبه ما يكون بالمخرف الذي طاش عقله ولم يعد يقدر على التفريق بين المختلفات، ومتى ما نص في الدستور على الدين فلا يمكن أن يكون غير الإسلام لأنه الحق ولأنه دين الأمة وهم الغالبية العظمى. ووجود طائفة أو أقلية من غير المسلمين في بلاد المسلمين لا يقدح فيما تقدم، وذلك بالنظر إلى أمرين: الأول : أن المسلمين حينما قبلوا بقاء أهل الكتاب بينهم قبلوا ذلك على أساس أن هؤلاء أهل ذمة أي أن أمنهم وحقوقهم مضمونة في ذمة المسلمين، لكن عليهم أن يحترموا دين المسلمين وأن لا يجهروا بعيبه أو سبه أو الاعتراض عليه والثاني: أن الدعوة إلى حذف النص على دين الإسلام مراعاة لمشاعر الأقلية الموجودة بين المسلمين من أهل الكتاب، هي دعوى ظالمة وصاحبها جهول مغرض إذ كيف يدعو إلى مراعاة مشاعر أقل من خمسة في المائة في مقابل إهانة مشاعر ما يقرب من خمسة وتسعين في المائة؟!! بل تكفيرهم حيث يضطرهم إلى إظهار التخلي عن دينهم. إني لألمح في الدعوة إلى إلغاء نص هذه المادة-إضافة إلى ما تشتمل عليه من المروق والضلال-دعوة إلى أن تعم الفوضى البلاد، وإلى إراقة الدماء وخراب العمران إذ لا يمكن للمسلمين وهم الغالبية العظمى، أن يقبلوا بتهميش دينهم وتحويل دولتهم إلى دولة بلا دين بمثل هذه الدعاوى الفارغة، على أن النص على الدين في الدستور لم تنفرد به الدول المسلمة أو العربية، فقد أبان الدكتور سعد بن مطر العتيبي وفقه الله تعالى أن كثيرا من دول الغرب لا تكتفي بذكر الدين في دساتيرها بل تصرح بالمذهب الذي هو جزء من الدين فقال: "في بعض الدساتير الغربية لا يكتفون بالنص على دينهم، بل يصرحون بالمذهب الديني أيضاً؛ وهذا بعض ما جاء في النصوص الدستورية والمواثيق الأساسية الغربية مما يؤكد ما قلت آنفا: جاء في (المادة1) من دستور اليونان: المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ! وفي ( المادة 47) منه: كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ! وجاء في (المادة1/بند 5) من دستور الدانمارك: يجب أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية ! وفي (المادة1/بند3): إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك !. وجاء في ( المادة 9) من الدستور الأسباني: يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية ! وفي (المادة6): على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها . وفي الدستور السويدي (المادة4): يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص ! . وفيه: يجب أن يكون أعضاء المجلس الوطني من أتباع المذهب الإنجيلي . وفي الأرجنتين: تنص ( المادة 2) على: أن على الحكومة الفدرالية أن تحمي الكنيسة الرسولية! وجاء في وثيقة الحقوق في انجلترا ( المادة 7): يسمح لرعايا الكنيسة البروتستانتية بحمل السلاح لحماية أرواحهم في حدود القانون! وفي ذات الوثيقة ( المادة 8): لكاثوليكي أن يرث أو يعتلي العرش البريطاني ! وفي (المادة 3 ) من قانون التسوية: على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا ، ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستناتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات، ويعتبر ملك بريطانيا حامياً للكنيسة البروتستانتية في العالم !" أ.ه ونحن لا نعتمد على هذا المسلك أو نتخذه حجة لنا أو قدوة، فالحجة عندنا الشريعة والقدوة هو رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن أوردنا ذلك لنبين لهؤلاء الفتانين إن النص على الدين في الدستور كما هو معمول به عند المسلمين معمول به عند الكافرين. ويصير المتحدث أو الداعي لإلغاء النص على أن الإسلام دين الدولة في الدستور هو بمثابة من يتلاعب بالنيران، فيكون هو أول من تسعر به هذه النار، ويكون من يتابعه ويشايعه وقود هذه النار. [email protected]