في البداية لا بد من تسجيل احترامي وتقديري لكثير من قضاة مصر، ولا سيما البعيدون عن وسائل الإعلام، المترفعون عن المشاركة في ذلك الانحدار الأخلاقي والسفه الفكري الذي يمارسه بعض رموز القضاة، الذين كانوا في العهود السابقة مبحوحي الصوت، معدومي الرأي، لا يتحدثون إلا فيما يتصل بتوفير السكر والزيت، وتنظيم الرحلات الترفيهية للقضاة وأسرهم. وقد تحول هؤلاء فجأة إلى أسود، وراحوا يتهددون ويتوعدون من يقترب منهم، أو يفكر في سن قانون للسلطة القضائية يتوافق مع الدستور الذي أقره الشعب المصري بنسبة تقترب من الثلثين، مع أن المأمول منهم أن يكونوا أكثر المصريين حرصا على تفعيل مواد الدستور وسن القوانين التي تحقق العدالة بين المصريين، بعد أن عاش المصريون أزمانا طويلة يعانون فيها من الطبقية، والمحسوبية، وعدم المساواة، التي دفعت خيرة شبابهم إلى الانتحار بسبب الطبقية المفرطة والظلم الفادح. كنا نأمل من قضاة مصر أجمعين أن يستحثوا السلطة التشريعية على إصدار هذه القوانين، وأن يمدوا لها يد العون بخبرتهم لإخراج هذه التشريعات - بما فيها القانون الذي يخصهم - إلى النور في أسرع وقت. ولكن الشعب المصري كانت صدمته مروعة، إذ رأى أغلب قضاته يقفون في خندق المعارضة له ولثورته، ويتعللون بأنهم يصدرون أحكاما وفق قوانين عفى عليها الزمن، وأنهم لا يملكون إزاءها حيلة ولا يهتدون سبيلا، ويزداد الشعور بالصدمة رسوخا، وتزداد المرارة الموجودة في حلوقنا غصة عندما نرى بعض القضاة يخالفون صريح الدستور في أحكامهم، ويضربون بقرارات الشعب التي أودعها الدستور عرض الحائط، ويربكون الدنيا كلها بأحكامهم. كل ذلك يتم وفق حصانة منحت لهم، لا ليستعلوا بها على الناس، ولا لينهب بعضهم بها الثروات، ولا ليتطاولوا بها على غيرهم من السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكنها منحت لهم – كما يفهم القاصي والداني – لأجل بث الطمأنينة في قلوبهم وهم يمارسون العدالة، ويطبقون إجراءاتها. فإذا ما انحرفقضاة بهذه المنحة عن غايتها النبيلة، وأسيء استعمالها، وأصبحت تستغل دفاعا عن المصالح الشخصية، وخشية فضح المخالفات التي حصلت من بعضهم، وللتخندق خلفها من أجل مقاومة سن تشريعات تحقق المساواة بين المصريين، وعدم تمييز طائفة على أخرى، فإننا ننادي بأن يكون القضاة كسائر أفراد الشعب، في الدرجات المالية، والرواتب الشهرية، وسائر البدلات التي تصرف لنظرائهم من العاملين بالدولة، و كذلك في الإحالة إلى التقاعد عند سن الستين، وفي عدم الحصانة إلا فيما يتصل بعملهم القضائي فقط،وألا يمتازوا عن أفراد الشعب المصري في أي شيء. إذ من غير المعقول أن يمنح عضو سلك قضائي مزايا لا يحصل عليها من علمه القضاء ومنحه الشهادة التي عين بموجبها (عفوا هذا هو الوضع المثالي) وهو أستاذ الجامعة، الذي يفوق القاضي علما ومنزلة. إن العدالة لا تتحقق إلا إذا أصبح الجميع بدء برئيس الدولة مرورا بجميع أفراد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وأساتذة الجامعات والعاملين بمختلف شرائحهم وأعمالهم أمام القانون سواء، إذ من غير المعقول أن تتم محاكمة رئيس الجمهورية، وبموجب الحصانة التي تحولت إلى قدسية، تتعذر محاسبة وكيل نيابة أو مساءلته. وعلى المجلس التشريعي أن يعمل على إصدار تشريعات تحقق تلك المساواة في أقرب وقت، وأن يكون بحق مجلس الشعب، لا مجلس العنصرية والطبقية. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]