"الإنسان هو الموضوع الرئيسي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وينبغي بالتالي أن يكون المستفيد الرئيسي وأن يشارك بنشاط في أعمال هذه الحقوق والحريات" هذا المقطع من إعلان عمل فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المعقود في فينا من 14 إلى 25 يونيو 1993 ندبج به مقالنا إصرارا منا على تتبع ما يهم الإنسان المغربي و قضاياه أينما كان و حيثما وُجِدْ و تصديا لكل ما تحده من حواجز أو عراقيل توضع بين الفينة و الأخرى ضد استمرارية و استكمال بنائه الديمقراطي و التنموي و تمتيعه بكرامته و حريته و حقوقه المشروعة ،و كان لابد من مواجهة حقيقة التدخل في القرار السيادي للدولة المغربية بأي ثمن و مهما كانت الظروف. و لابد من التأكيد على أن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى "إيجاد حل عاجل لقضية الصحراء بسبب تنامي عدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة الساحل" ضروري أن يصب في اتجاه تحقيق خرق دبلوماسي و سياسي لمواقف الجزائر و البوليساريو التي ثبتت في حقها تهمة تعاونها مع منظمات وصفت بالإرهابية،و إخضاعها للمعاملات الخاصة بالإرهابيين و محاسبتها على الانتهاكات الجسيمة لحق الإنسان الصحراوي في ممارسة حياته فوق ارض وطنه دون إكراه.و يلاحظ المراقبون انه كلما صدر قرار من قرارات مجلس الأمن في غير صالح الجزائر و البوليساريو إلا و أقامت الدنيا و هددت و أزبدت ، و غير بعيد عن هذا تلك الزوبعة من التصريحات السلبية رسمية و إعلامية أثناء زيارة دولة التي قام بها فرنسوا هولاند للمملكة و تصريحه أمام البرلمان المغربي بدعمه للمقترح المغربي باعتباره حلا دائما و واقعيا لمشكل الصحراء المغربية. نستحضر هنا مقولة بسمارك "كل شيء قابل للتغيير بين الدول إلا الجغرافيا" فالجزائر كانت على الدوام على استعداد لتقسيم الصحراء المغربية و الاستفادة من خيراتها و فتح ممر آمن اتجاه المحيط الأطلسي لتصدير الغاز عبر ما تحلم به جبهة البوليساريو، هذه الأخيرة و بمساندة راعيتها الكبرى التي حاولت أن تمحي تاريخا كاملا من الإنتهاكات الجسيمة ضد المواطن الصحراوي و حقه في الانتماء إلى جذوره و دولته المغربية، و الهروب إلى الأمام باستغلال مبادئ حقوق الإنسان لمحاصرة المغرب أمام المنتظم الدولي. في أعقاب زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا هولاند للمملكة المغربية خرج متزعم الحركة الانفصالية محمد عبد العزيز ليقول بأنه غير مستوعب لموقف فرنسا في نزاع الصحراء الغربية و اتهم الاشتراكي هولاند بأنه يساوم في مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان،متناسيا أن جبهة البوليساريو متورطة في شبكات ترويج المخدرات والأسلحة في المنطقة و البيع و الشراء في البشر و الخطف تحت التهديد و المطالبة بالفدية، و هذا في حد ذاته ضربا في الصميم لقيم حقوق الإنسان و مبادئ القانون الإنساني بالتالي البوليساريو هي من يعطي الدروس في الديمقراطية و حقوق الإنسان او التبجح بها. في العام 2011 اتخذت جبهة البوليساريو قرارا من جانب واحد يسعى إلى فرض وصايته على بعثة المينورسو ما يشكل خرقا لاتفاقيات وقف إطلاق النار بين المغرب و البوليساريو برعاية منظمة الأممالمتحدة منذ العام 1991 والتي يحظر بموجبها أي تحرك للقوات المسلحة في المنطقة. هذه البعثة الأممية لم يفرض عليها المغرب أية قيود في الحركة و مباشرة عملها المؤطر و لم يتدخل في مركز عملها، و لم تطالبها بتقديم الجدول الزمني والطريق التي ستسلكها الدوريات بشكل مسبق للسلطات العسكرية المغربية. و هذا ما فعلته البوليساريو بالضبط حيث أبلغ المدعو "الطالب عمي" (قائد المنطقة العسكرية الأولى للبوليساريو) مسؤولي بالبعثة بقرار يقول فيه ب "ضرورة أن تكون جميع الدوريات التابعة للمينورسو مصحوبة أثناء تحركاتها بعناصر مسلحة للبوليساريو".هذا التصرف يمكن اعتباره إنتهاكا و إعاقة لعمل و حركة البعثة في المراقبة،تصرف كهذا من قِبَلِ حركة الانفصاليين جاء تغطية لما كان يحدث بعد انهيار نظام القذافي الداعم لها ،و انتقال آمن لعدد من المقاتلين من بين البوليساريو التي ناصرت العقيد الليبي و عدد من المناصرين لها مزودين بترسانة مهمة من الأسلحة و الأموال إلى تندوف. هنا نطرح التساؤل حول هذه المسودة الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية التي تريد من خلالها التوسيع من نطاق اشتغال بعثة المينورسو ليشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، هل هذا جواب حكيم للرد على إستراتيجية البوليساريو التي دأبت على الرفع من أسباب التوتر والاستفزاز ضد بعثة المينورسو و المملكة في آن واحد؟ عندما ترفض الدولة المغربية رسميا هذه المبادرة التقويضية فهذا تماشيا مع أعمال السيادة التي تمارسها الدولة على أراضيها و ما يتماشى مع أمنها القومي، و تدخل مثل هذه المبادرات الفردية ضمن محاولات الوصاية و زعزعة الأرضية التي قامت عليها مبادرات الحل السلمي التي ترعاه الأممالمتحدة و من ضمنها مبادرة الحكم الذاتي الموسع الذي تقدم به المغرب و الذي أشاد به الجميع. من هنا تكون المسودة الأمريكية ،بعد وصول جون كيري إلى رئاسة الدبلوماسية الأمريكية و المساند لتقرير المصير في الصحراء و لن ننسى رسالته الشهيرة عام 2002رفقة أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي يطالب فيها من وزير الخارجية آنذاك كولن باول تطبيق تقرير المصير في الصحراء و ما أشبه اليوم بالبارحة،هذه المسودة المتعلقة بتوسيع اختصاصات المينورسو للإشراف على حقوق الإنسان بالمنطقة نزولا عند رغبة جمعية الإنفصالية امينتو حيدر ومركز كينيدي،نعتبرها سيرا في الاتجاه الآخر من الحل السلمي و تحيزا و تغليبا لرؤية أحادية و تجزيئية. وبوجه عام فإن ما يسهم في نجاح محاولات حل هذا الصراع حول الصحراء نرى أن تتجه جهود الحل والتسوية نحو إمكانية إحداث تغيير في العملية الذهنية أو العقلية خصوصا عند الطرف الذي يلاعب المجتمع الدولي بورقة حقوق الإنسان بعدما استنفذ جميع الحيل الأخرى،و ذلك من اجل بالتوصل إلى اتفاقات عادلة و بناءة في إطار مبادرة تحكمت فيها جوانب من التاريخ و القانون و الإنسانية. إذ نحذر من خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه يهدد استقرار المنطقة و باعتراف مراقبين معتبرين ،فان المقترح الأمريكي بمباركة وزير الخارجية جون كيري المتفاني في الدفاع عن تقرير المصير يضع الدبلوماسية المغربية في موقف دفاعي، و هذا ليس جديدا في هذا الملف خصوصا إلا إذا أخدنا بالاعتبار مدخل حقوق الإنسان كمبرر جديد في مقاربة الأوساط المناهضة لمقترح الحكم الذاتي . تأكيدا لعقيدة المملكة في دعم السلام و الإستقرار هل يمكن الاعتماد على مقعد المغرب في مجلس الأمن و فيتو فرنسا و عمق المغرب داخل إفريقيا الذي عززته الزيارة الأخيرة للملك محمد السادس؟إن المصالح و قراءتها تتداخل فيها إدارة الخارجية الأمريكية و استخباراتها و البنتاغون و استخباراته إضافة إلى الكونغرس الأمريكي و البيت الأبيض و الرهان هو كيفية عمل الدبلوماسية المغربية في خلق التوازنات في التعامل مع هذه القوى خدمة لمصالح المملكة و تعزيزا لقرارها السيادي. المسودة التي ستقدمها أمريكا خدمة لمصالحها و تمييزا لموقعها في الصراع حول منطقة الشمال الإفريقي و هنا لابد من التركيز على أن حرب السيطرة على المفاصل الاقتصادية و السياسية و العسكرية لدول في موقع الحليف لأمريكا أو المفترضة كمتعاون لا تتوانى أجهزة الدولة الأمريكية على اقتناص الزمن و الفرصة لإضعاف موقف الآخر تمهيدا للاحتواء في زمن التدخل العسكري و فرض الحصار الاقتصادي و التلويح بالعقوبات.سؤالنا هل البوليساريو بعد 2011 دخلت فعليا كتهديد فعلي للولايات المتحدةالأمريكية؟و كيف تقيس الخارجية الأمريكية و البنتاغون جدلية التوتر و الاستقرار داخل المنطقة؟ خصوصا مع تزايد رقعة اللاستقرار و التهديد الجدي و المحتمل من سوريا و إيران إلى كوريا الشمالية و ما يحدث داخل الشرق الأوسط و إفريقيا. إسبانيا و فرنسا دولتان استعمرتا المغرب و تعرفتا عليه جيدا عن قرب حربا و سلما، و أمريكا دخلت بقواعدها العسكرية المغرب و إفريقيا ،و الصحراء المغربية الآن ليس في سلم أولويات اهتمامها لكنها تحاول أن تخلق من خلالها توازنات جديدة بعد أحداث 2001 و 2011 في لعبة مركبة و متعددة الخطوط الحمراء في إطار تبادل و تشابك المصالح و التحالفات.و الخلط لا يتم إلا بتسييس المجال الحقوقي بدل دعم الديمقراطية و التنمية في إطار سيادة الدولة المغربية على إقليمها و مراقبة حدودها كتدبير استراتيجي خدمة للاستقرار في المنطقة. من التوازن الدولي إلى العولمة نحو عقيدة الاحتكار الاستراتيجي لقرار الحرب و السلم ما بعد شتنبر 2001 نجد أن أمريكا بَنَتْ اقتصادها على معادلات الحرب،بالتالي رؤيتهم للعالم و من ضمنها المغرب ترتكز على نظرة عسكرية في خلق التوازن العالمي و الإقليمي و نزاع الصحراء يدخل في هذا النطاق، فالأمن القومي للمملكة لابد من ربطه بأمن مؤسساته و مجتمعه و أمن جغرافيته عبر جهويته لإدارة الضغوط الأورو- أمريكية، و اعتبار الموقف القديم الجديد لأمريكا لحظة سياسية لإدارة القرار و إدراك الجزئيات في مفاصل المصالح المتقاطعة بين المغرب و أمريكا و إدراجها داخل المربعات الحيوية حسب المتغيرات الدولية و الداخلية و بناء قرارات سيادية و استراتيجية مع أمريكا عبر المتغير و المعطى العسكري أولا. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]