قال تعالى "وأشربوا في قلوبهم العجل" نزلت تلك الآية الكريمة توضح حال بني إسرائيل حينما صنع لهم السامري عجلًا جسدًا له خوار فملك ذلك العجل قلوبهم وأشربوا حبه فلا يستطيعون لذلك الحب فكاكًا، حتى رجع إليهم موسى من لقاء ربه فنسفه في اليم نسفًا و تبرأ من فعالهم معذرة إلى الله تبارك و تعالى، وهكذا كل من ألف شيئًا من السوء وطالت صحبته له فإنه لا يستطيع تركه ولا الانعتاق منه. أتخيل القضاة في البلاد الإسلامية التي لا يطبق فيها شرع، ولا يؤبه فيها لأحكام الله ولا لكتابه ولا لسنة نبيه، وقد عاشروا القوانين الوضعية دهورًا يحكمون بها، ويتدارسونها فيما بينهم، وقد تعلموها في كليات الحقوق وحصل بعضهم على دراسات عليا فيها من جامعات عربية وعالمية، كيف هي قلوبهم من التعلق بتلك الأحكام والتشريعات المخالفة لدين الإسلام. نعرف أن القضاة إنما هم مطبقون لأحكام لم يضعوها إنما وضعها المشرعون للأمة منذ زمن بعيد الذين أدخلوا القوانين الفرنسية التي يتحاكم إليها معظم الدول الإسلامية الآن، ولكن مع ذلك من أجبرهم على هذا إلا ذوات أنفسهم وامتيازات تلك الفئة من الناس. الأعجب أن بني إسرائيل في تلك الحقبة كانوا هم أهل الله وأولياؤه ولم يكن على الأرض حينئذ أفضل منهم وقد آمنوا بموسى وهجروا أوطانهم من أجل نصرة شريعته، حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم حتى قال الله فيهم "فباؤوا بغضب على غضب" قصة من الاستضعاف فالدعوة فالابتلاء فالتمكين ثم النكوص على الأعقاب فغضب الله عليهم. أتعجب من تعليق أحد كبار القضاة على حكم أصدره قاض على رجل ثبت عليه تعاطيه الخمر بالجلد ثمانين جلدة أنه لا يصلح أن يكون قاضيًا، لأنه خالف قوانين "العجل" المألوف، فكيف يتجرأ على عجلهم الذي أشربوا حبه أو إلفه، ثم حولوه إلى التفتيش القضائي للتحقيق معه بهذا الشأن، وللإنصاف فقد قال ضعوا الشريعة الإسلامية في قوانين محددة ونحن نطبقها. لا عدل ولا استقرار إلا في شريعة الله قولًا واحدًا، وإلا فلنتهم أنفسنا. لو أن تلك المظاهرات التي خرجت تنادي بتطهير القضاء الذي يحتاج إلى إصلاح جذري حقيقي نظرت إلى عين الحقيقة، وهي أن الحكم بغير ما أنزل الله هو أساس الظلم والإجحاف الذي نراه في محاكمنا، ولو أنهم وجهوا جهودهم وصرختهم لتطبيق الشريعة ورفع رايتها لتغير وجه مصر بل والعالم أجمع. أين موسى هذا الزمان الذي ينسف ذلك العجل من الوجود ويذروه في اليم فيأذن الله بزواله من القلوب. لقد انحرفت دعوة الكثير من الإسلاميين عن الهدف فأصبحنا لا نفرق بين دعوتهم ودعوة غيرهم فيما ينادون به. وإذا طال الزمان علينا فهل نبشر باستمراء الإسلاميين طريق الديمقراطية، والمسألة تدريجية تبدأ بقبول آلياتها دون نظريتها ثم ما نلبث أن يطول علينا الأمد كما طال على من قبلنا فتُميع وتضيع مراسم الدين، وصدق المصطفى: "يُدرَسُ الإسلامُ كما يدرس وشي الثوب" أي تنطفئ جذوته وتخفت معالمه كما تبهت ألوان الثوب ونقوشه. لابد من وقفة جادة أيها الإسلاميون وصدق مع الله والنفس، ماذا يريد الله منا؟ وماذا عسانا أن نفعل؟ وكيف نفعل ما نريد؟ وأين الطريق الذي نسلكه؟، و نتحسب خطواتنا، ونتساءل إلى أين تجرفينا أيتها السياسة؟، فإن كان إلى تنازل عن الثوابت وخفوت معالم الدين في نفوس الناس والاتباع وتغير المفاهيم والمصطلحات والثوابت وفتنة الناس عن دينهم، فلنا في رسول الله أسوة حسنة الذي أبى أن يكون ملكًا رسولًا فكان خير عبد وخير رسول، ودعا إلى الله على بصيرة من هدي ربه حتى أذن الله بالتمكين في الأرض ولنصبر ولنحتسب، وإلا فالموت على الطريق أهون من الحياد عنه.