"الخارج من بيته مفقود" .. مثل ينطبق على من يفكر في ركوب المواصلات في القاهرة..فهي رحلة عذاب بكل المقاييس.. وبعد أن أخذ "المفقود" يُسبسب في شعره ويُلمع حذاءه ويرتب ملابسه .. وتحدثه المرآة بأنه نجم سينما أو طاووس .. فيسير مزهوا بنفسه .. إلى أن يأتيه القدر .. بداية من خروجه منزله عاصفة ترابية تقضى على مستقبل شعره ولمعان الحذاء .. وليست بفعل الجو بل أن التراب الناعم أصبح سمة ملازمة لغالبية شوارع القاهرة...يطارد ربات البيوت داخلها ويلاحق من يفكر في تركها .. فيحوقل صاحبنا ويحسبن .. ولكن يصر على أن يستمر في طريقه الذي غالبا ما يجعله يمارس رياضة الجري بالإكراه .. حتى ينضم لغيره في معركة الوصول لكرسي .. داخل ميكروباص أو أتوبيس..ويبدأ التدافع الذي لا يفرق بين رجل أو امرأة وغالبا لأن الرجل دائما أقوى .. غالبا ما يكون هو الفائز بالكرسي . وبعد أن يفوز تبدأ ضريبة الفوز ..ملابسه المكوية تعود لسيرتها الأولى بعد رفعها عن حبل الغسيل .. ويحوقل ويحسبن وقد يسب ويلعن ..وتطول جلسته لتوقف الطريق أما إذا كان الطريق خالي .. وهو ما يحدث بالفعل .. وليست كذبة أبريل .. في يومي الجمعة والسبت، فيأتي دور السائق الذي لا يصدق أنه ممكن ينطلق بعربته يسابق الريح .. ولا يجد المسكين نفسه إلا وهو فوق أرجل من يجاوره ..ويأتي دور "الحامل" في الحوقلة والحسبنة أو السب واللعن في السائق والطريق والركاب .. ثم يردد الركاب الشهادتين عند نقطة الوصول ..ويقفز كل فرد بدوره من هذه العلبة المتحركة التي غالبا ما تودعه بجرعة عادم لا تطاق تنهى على ما تبقى في صدورهم من أنفاس .. يصل المسكين عمله .. وقد فقد بريقه ولمعانه بل تحول إلى أشعت أغبر .. لا يهم .. المهم أن يمر اليوم دون "خناقة" مع "المدير" .. وقد يحدث .. ويمر اليوم بسلااااااااااااااااام .. إلا أن يأتي ميعاد المعركة الثانية .. يخرج من العمل يستنشق ما شاء له الله أن يستنشقه من الدخان والتراب ويسير في طريقه غير مبال بالعثرات .. يتجنب المظاهرات ويترفع عن الاعتراضات ولا ينظر للمصادمات ويعبر الطرقات ليصل لمحل العربات .. ليجد رفاقه في الكفاح .. عشرات الناس ينتظرون الفرج ..ويأتي المذكور "فرج" ولكن محملا بأشخاص آخرين .. اجتهدوا اكثر منه وقطعوا نصف الطريق سيرا على الأقدام للوصول إلى كرسي .. وينتظر صاحبنا وتأتي عربة أخرى ويتدافع الجميع .. وبعد التطاحن يحصل على مكان.. ويستغرق في الحمد والشكر..وفجأة يسقط عليه آخر من السماء .. لا لا .. لا تمطر السماء رجال .. ولكن ذكاء البعض يجعلهم يدخلون من الشباك وليس من الباب ليستقر فوق رجليه.. وكما تدين تدان .. ويحوقل ويحسبن أو قد يسب ويلعن .. وتُفض الاشتباكات ويستقر كلا في مكانه .. وتتحول الجلسة لصحبة وتبادل الأحاديث التي غالبا ما تكون سياسية لكسر ملل طول الطريق الذي تسير فيه العلبة .. أقصد العربة .. سير السلحفاة ضمن طابور سلاحف فوق الكباري وتحتها في محاولات للوصول إلى المكان المرغوب ... وينادي صحبنا المسكين على السائق بأعلى صوته .. "على جنب يا أسطى" .. ليعلن للجميع وبكل فخر أنه أخيرا وصل ..