وكأن الحكومة أرادت التخلص مما تبقى من فلاحي مصر، وإجبارهم على خلع ثوب (الفلاحة)، واستبداله بثوب (التسول)، ولتجعل منهم إضافة جديدة إلى طوابير الأيدي العاطلة التي تتزايد يومًا بعد يوم بفعل سياساتها، بعد أن دفعتهم دفعًا إلى هجر الأرض الزراعية لتصبح مأوى للفئران والحشرات. نتيجة لعجز الحكومة عن إيجاد حلول اقتصادية حقيقية للحد من تدهور رصيد العملة الصعبة، والعمل على استقرارها عند حد يسمح لها باستيراد ما تحتاجه الدولة، دون أن يمثل ذلك خطرًا على الرصيد المتبقي من تلك العملة، تُدخل الحكومة نفسها في حرب جديدة غير متكافئة مع مطاحن القطاع الخاص وذلك بتفعيلها لقرار وزير التموين الأسبق الدكتور جودة عبد الخالق رقم (53) لسنة 2012 م، والذي يحظر على المطاحن الخاصة استخدام القمح المحلي في مطاحنها لإنتاج الدقيق الفاخر، كوسيلة من الحكومة لإجبار الفلاحين على بيع محصولهم من القمح إلى شون بنك التنمية وشركات المطاحن الحكومية فقط (بتراب الفلوس)، وبقيمة ربما تقل كثيرًا عن تكلفة الإنتاج الحقيقية للقمح التي يدفعها الفلاح، فعلى الفلاح أن يبيع محصوله للحكومة بالسعر الذي تحدده أو يتركه بالأرض طعامًا للطيور، لتحيا العصافير ويموت الفلاح وأسرته من الجوع، وإن استطاع الصبر على الجوع فسيموت من القهر الحكومي له، ومن عجزه عن تحقيق الحد الأدنى الذي يضمن له ولأسرته حياة كريمة بعد ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والسولار، بالإضافة إلى زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل تجاوز كل التوقعات. إذا كانت الحكومة (بجلال قدرها) عاجزة عن تدبير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، فماذا يفعل أصحاب المطاحن الخاصة بعد اختفاء الدولار وارتفاع سعره بصورة غير مسبوقة من قبل؟ الأمر الذي سيضطرهم قريبًا إلى رفع الراية البيضاء بالتوقف عن الإنتاج، وإغلاق أبوب المطاحن الخاصة، وتسريح عمالتها، ليلحق بهم أصحاب محلات الحلويات والفطائر وغيرهم ممن يستخدمون الدقيق الفاخر الذي تنتجه تلك المطاحن في صناعاتهم، ليسارع الآلاف منهم ومن عمالتهم إلى حجز مكان لهم في طوابير الأيدي العاطلة التي كانت في يوم من الأيام عاملة. كنا نتوقع أن تقوم الحكومة بفضل ما تملكه من برامج (نهضوية) عملاقة بدعم الفلاح ومساعدته وتوفير مستلزماته الزراعية بتكلفة لا ترهقه، ليحقق من خلالها عائدًا يعود عليه بالنفع هو وأسرته، ويكون حافزًا له على الاستمرار في عمارة الأرض الزراعية. كما كنا نتوقع أن تقوم الحكومة بمساعدة القطاع الخاص (أحد أجنحة التنمية الاقتصادية الحقيقية) على النهوض، والتوسع في دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة بما يعود في النهاية بالنفع على المجتمع، ويحد من ظاهرة البطالة. الأزمة خانقة، والمخاض عسير، ولم يجد الطبيب (الحكومة) إلا أن يضحي بالأم وبالمولود من أجل أن يعيش هو. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]