لم تكن زيارتي لتركيا زيارة عمل، ولكن الناس هنا لا يعرفون إلا الجد، ولذلك يتقدمون، دعاني البروفسير ( معمر إسكندر أوغلو ) لمحاضرة فتيات تركيا المنشغلات بنفس قضايا وهموم المرأة المسلمة في كل مكان. لم يستقر وضع المرأة المسلمة منذ خروجها من عالم الحريم ودخولها عالم الحداثة المعاصر، ما زالت قلقة مذبذبة إذا اندفعت في الخروج للحرية المطلقة واقتناص فرص العمل وإثبات الذات غالبًا تقصر في حق الأسرة، وقد لا تتمكن من تكوين أسرة من الأساس، وإذا أخذت قرارًا مثاليًا بالعودة للاختفاء في الداخل بين جدران البيت الرحيمة لتربية أطفالها ورعايتهم فإن فورة الأمومة والرغبة المثالية في العطاء سرعان ما تخبو مخلفة وراءها ظلالًا من الملل والإحساس بتراجع الدور والتخلي عن المكتسبات وتدور الحياة بها في عكس الاتجاه مرة أخرى. وبعد أن تخففت تركيا من علمانيتها وعادت نساؤها لحجاب العفة والستر ثارت لديهن نفس المشاعر، وفي كلية الإلهيات بجامعة سقاريا كان اللقاء، كان حشدًا كبيرًا من فتيات تركيا المحجبات اللائي يدرسن باللغة العربية، وقد ملأت الأعداد المدرج الكبير، بدأ اللقاء بحضور عميد الكلية الدكتور ( كمال عناد ) ورئيس قسم اللغة العربية ( الدكتور أحمد ) وبعض الأساتذة في الصفوف الأولى، وقام طالب بافتتاح الجلسة بترتيل آيات من القرآن الكريم. حين صعدت للمنصة كانت مهمتي صعبة بعض الشيء، هؤلاء الفتيات لا يعرفن اللغة العربية بشكل جيد، حاولت قدر الإمكان استخدام لغة بسيطة مختصرة مع تكرار المعنى أحيانًا ليثبت في الذهن، كنت أنظر في عيونهن لأرى مدى التجاوب وسريعًا انتقلنا لمرحلة الأسئلة حتى يكون التفاعل حقيقيًا ومباشرًا. كان جوهر الكلام أن على المرأة أن تدرك أنها تتحرك بين أبعاد أربعة أنها امرأة وليست رجلًا أو شبيهًا به وأنها مسلمة تعتز بدينها وأنها معاصرة تعرف أدوات العصر وتستخدمها وأخيرًا أنها تنتمي لبلدها بخصوصيته الثقافية وعاداته وتقاليده، ثم إن الواجب عليها اليوم أن تنطلق في كل مجالات الإبداع والتجديد، لأنها تواجه تحديًا ثقافيًا كبيرًا بالتبعية للغرب، وعليها أن تجد لنفسها موضعًا متميزًا بشخصيتها المميزة المستقلة، والتي لا تكتفي بمحاكاة الغرب وأيضًا لا تستهلك نفسها في الكلام الخطابي، وتكتفي به دون عمل، النتائج العملية وحدها هي التي تحدد أين أقف في طابور الحضارات. أعترف كامرأة مسلمة أنه مازالت شخصيتنا الحضارية لم تتبلور وتتضح بدليل ضعف الإنتاج الفكري والعلمي والثقافي النسائي الذي يقول دون كلام هذه هي المرأة المسلمة. إن تحديد موقعك هو بداية تقدمك فحتى لو كنت أقف عند نقطة الصفر فإن ذلك يعطيني الأمل في التقدم كل يوم ولو خطوة واحدة وتتوالى الخطوات، المهم أن نجد الطريق ونحدد المراحل، والطريق هو تحفيز المبدعات والمتميزات في العالم الإسلامي كله، ولكن تنقصنا الخطة الفعالة وما يحدث فقط هو اجتهادات فردية. كان احتفاء الفتيات وتجاوبهن أعلى مما كنت أتوقع، أسئلة ذكية واهتمام بالغ بالفهم والمشاركة واعتراف أيضًا ببعض الحيرة والقلق، كانت الوجوه النضرة والتعليقات الثرية تجعل طائر الأمل يرفرف بجناحيه أمامي ناشرًا البسمة والتفاؤل في المستقبل.