التعبير قد يكون قاسيًا, وصادمًا, لكن الحقيقة تحتاج إلى المصارحة, والشفافية, وقول الحق, دون لف ولا دوران, ولا مواراة, أو, مداراة, فالجرّاح يصارح أهل المريض بحقيقة المرض, ويصف لهم طريقة العلاج, وقد يكون فيها, فتح للخراج أو استئصال عضو, وفي الطب دائمًا يقولون (التشخيص قبل العلاج), والحالة التي نحن بصددها هي الموقف السياسي الراهن بين جماعة الإخوان والقوي السياسية عامة, وبينها وبين القوى والتيارات والأحزاب الإسلامية خاصة, وهو ما يعنينا في هذا المقال, ومن نافلة القول أن نقول إن جميع القوى والأحزاب الإسلامية على اختلاف أفكارها واتجاهاتها وقفت وساعدت مرشح الإخوان في انتخابات الرئاسة حتى تم نجاحه, آملين أن يحقق هذا المرشح ما تصبو إليه هذه الجماعات من تحقيق الهدف الذي طالما طالبت وحلمت به.. وهو تطبيق الشريعة.. بما تتضمنه من إقامة العدل, ورفع الظلم, والنهوض بالأمة حتى تستطيع أن تجابه ما يعتريها من تحديات داخلية وخارجية, لكن الصدمة كانت كبيرة, وخيبة الأمل لا تكفيها جمال البادية لتركبها, والذهول يعتري الجميع, فالجماعة التي كانت توحي للناس أنها متكاملة الأركان, وارفة الظلال, مملوءة بالكفاءات في كل المجالات, خبيرة في إدارة السياسات, ولم الشتات, وجمع المتفرقات والمتضادات, ظهرت كنمرٍ من ورق, وإطار أجوف, فلا حسن اختيار للمسؤولين والمتنفذين وهي مخالفة صريحة للأمانة التي استرعتها الأمة فيهم وهي تولية الأكفاء دون نظر للونه أو جماعته أو حزبه, لكن رأينا عجبًا عجابًا في هزالة الاختيارات, لرئيس عديم الخبرة السياسية وجديد على شؤون الحكم, فإذا به يختار مساعدين ومستشارين ورئيس وزراء ووزراء أقل خبرة وكفاءة, وظهرت الفاجعة الصادمة حين اكتشفنا أن نائب رئيس الجمهورية ووزير العدل والمستشارين لا يؤخذ رأيهم في شيء حتى في صميم اختصاصهم ومجالهم المهني, ثم إذا استقال 7من المستشارين وهو رقم مخيف يهز أي مؤسسة أو حتى شركة محترمة لو كان لهم دور فعلي, فإذا بنا نفاجأ أن الأمر يمر مرور الكرام, ولا تأثير أو تغيير أو تعيين بديل لهم, مما يدل على أنهم موجودون لذر الرماد في العيون وللضحك على الناس وخداع الشعب بأن الرئيس عنده مستشارون, والاستشارة الحقيقية والأساسية تأتي من مكتب الإرشاد بالمقطم, وهي خيانة أكيدة للأمانة, ولا تليق بإنسان أو جماعة ترفع شعار الإسلام هو الحل, وتدعي أن لديها مشروعًا إسلاميًا للنهضة, ناهيك عن نقض العهود والوعود والاتفاقات مع القوى السياسية, حتى أصبح السمت الغالب, والصفة اللاصقة بالجماعة أنها ليس لها كلمة, ولا يوثق بوعودها وعهودها واتفاقاتها, وهو شيء جديد في العمل الإسلامي, أن توصف جماعة تدعو للإسلام بهذه الصفات, وكان المثال الصارخ والفاضح لذلك هو اتفاق فندق فيرمونت بين الإخوان وقوى المعارضة لتأييد مرسي في انتخابات الإعادة على أن تلتزم الجماعة بشروط معينة للتوافق في العمل السياسي إن نجح مرسي, ونجح مرسي فإذا به يتنصل من كل وعوده واتفاقاته بمنتهى البراءة والاطمئنان الذي يؤدي به الصلوات, ويخطب به داعيًا الناس للالتزام بتطبيق المثل العليا من الصدق في القول والعمل ناسيًا أن يذكر نفسه بذلك, والقول يناقض الفعل, يبقى جانب الجماعات الإسلامية التي تقف مدافعة عن الإخوان ويتعامل معهم الإخوان بطريقة مقاول الأنفار مع عمال التراحيل, فهو ينتقي منهم من يؤدي له وظيفته سواءً أكان فلاحًا أو عاملًا أو نجارًا حدادًا, ولا يستشيره في شيء, بل عليه تأدية العمل وأخذ الأجر والانصراف, مع فارق بسيط أن الإخوان يأخذون العمل ولا يدفعون أجرًا, فهم لا يتشاورون مع التيار الإسلامي في شيء, وإن تشاوروا فلا ينفذون شيئًا إلا ما استقر عليه مكتب الإرشاد, ولا يقتربون منهم إلا إذا كانوا في أزمة, فإذا أرادوا حشد السلفيين لقضية, استدعوهم وأضافوا كلمة الشريعة للمليونية حتى يضمنوا الحشد, وإذا أرادوا التلويح بالشدة والمواجهة مالوا إلى الجماعة الإسلامية لتاريخها في ذلك, أو تغاضوا عن تصرفات للشيخ حازم وأتباعه, وهكذا, والتيار الإسلامي مدفوع بعاطفة أنهم إسلاميون وأقرب لنا من غيرنا وأصحاب مشروع إسلامي, وأنا صراحة أرى عكس ذلك تمامًا, الإخوان أصحاب مشروع إخواني صرف, له سمات خاصة أساسه التمكين للجماعة وأفرادها, وبعدها لن يستطيع أحد أن ينطق بكلمه, وهذا واضح جدًا من محاولات شيطنة حزب النور لمجرد أنه خرج عن دائرتهم وحاول أن يتصرف باستقلالية بل فعل في العلن ما يسعون إليه في العلن والسر من الالتقاء بقادة جبهة الإنقاذ, وغيرها من التصرفات الكثيرة من محاولات تكميم الأفواه, ومنع المعارضين من حرية التعبير, وشيطنة المخالفين وتشويههم, والتستر على جرائم الداخلية إذا كانت ضد المعارضين، وأشياء أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. الخلاصة والرسالة هي لأفراد وجماعات الإسلام السياسي, لا تربطوا أنفسكم بمشروع الإخوان لأنه مشروع حزبي, إقصائي, تأويلي, حمال أوجه, ستدورون فيه حول أنفسكم, وسيضيع وقتكم ومجهودكم دون طائل, وستستنزف طاقتكم في الأخذ والرد والجدال دون فائدة, وستستغلون فيه كتروس في عجلة, والصانع والمدير والمدبر لا يعطي لكم حقًا ولا ميزة إلا بقدر ما يأخذ منكم, فاجمعوا أمركم وتبنوا مشروعًا إسلاميًا واضح المعالم وله آلية للتطبيق على الأرض وتحركوا به وسط الناس بدلًا من هذا الغبش والضبابية في الرؤية وتحميل أنفسكم مسؤولية مالا تستشارون فيه ولا تنفذونه, فينكسر كل البيض في سلة الإخوان, وتبكون على لبن لم تسكبوه, واعلموا أن القرار مرتبط بهيئة ومكتب بلغ عمره الافتراضي يعيش في سكرة المفاجأة من تولي حكم مصر, وهو متعود على إدارة جماعة, وليس دولة بحجم مصر. دكتور جمال المنشاوى gmenshawi@gmail .com