النمسا: توزيع ملصقات فى الشوارع ضد المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا    حملات مراقبة المخابز السياحية.. ضبط 24 طن دقيق مدعم    خلال 24 ساعة.. رفع 44 سيارة ودراجة نارية متهالكة    خطيب الجامع الأزهر: الحضارة الإسلامية حوربت من خلال تشكيك المسلمين في تراثهم العريق    الاتحاد الأوروبي يحتفل بالقاهرة بمرور 20 عامًا على تأسيسه    بعد جدل "تكوين".. الأزهر يكشف حقيقة إنشاء وحدة "بيان" لمواجهة الإلحاد    «فايننشال تايمز»: الاتحاد الأوروبي يتخلف عن الولايات المتحدة في إنتاجية العمل    تين هاج: ماونت تعرض لإصابة جديدة.. وانتكاسة ل شو قبل مواجهة أرسنال    مباشر مباراة الأهلي والزمالك الثالثة في دوري السوبر لكرة السلة    استدعاء ثلاثي ناشئي المقاولون لمنتخب مواليد 2005    عيار 21 الآن بعد ارتفاع كبير.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة    بعد التخفيضات.. تعرف علي أسعار الأضاحي بمنافذ وزارة الزراعة 2024    أول تعليق من تعليم الدقهلية على تطابق امتحان العلوم للصف الثاني الإعدادي وتسريبه    الملاكي لبست في العمود.. إصابة سيدتين إثر حادث تصادم ببورسعيد - صور    أبرزهن هند رستم وتحية كاريوكا.. هدى الإتربي تكشف عن نجمات أثرن في حياتها (فيديو)    ميرفت أمين ودنيا سمير غانم تشاركان في تشييع جنازة والدة يسرا اللوزي (صورة)    تربط شرق القاهرة بغربها.. محطات مترو الخط الثالث وموعد تشغيلها (من عدلي منصور لجامعة القاهرة)    المفتي: من أهم حيثيات جواز المعاملات البنكية التفرقةُ بين الشخصية الاعتبارية والفردية    محافظ الأقصر ورئيس هيئة الرعاية الصحية يناقشان سير أعمال منظومة التأمين الشامل    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    "الأوقاف" تكرم عضوا ب الأعلى للشئون الإسلامية" لمشاركته بالأنشطة الرمضانية بالمساجد    19 عرضا مسرحيا مجانيا لقصور الثقافة بأسيوط    "مبروك يا صايعة".. الشرنوبي يثير الجدل بتهنئته ل لينا الطهطاوي بزفافها (صور وفيديو)    محافظ أسيوط: مواصلة تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمدينة منفلوط    جامعة «أريزونا» تطرد أستاذا جامعيا بعد تعديه على امرأة مسلمة داعمة لفلسطين    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    وكيل صحة الشرقية يفاجئ العاملين بمستشفى الحسينية المركزي ( صور )    ترغب في التخسيس؟- أفضل الطرق لتنشيط هرمون حرق الدهون    تشييع جثمان عقيد شرطة ضحية تصادم سيارة مع جمل ببني سويف    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    محافظ بني سويف يوجه بمتابعة استمرار التسهيلات في تلقى طلبات التصالح بالقانون الجديد 187    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    بيرسي تاو يحصد جائزة أفضل لاعب في اتحاد دول جنوب إفريقيا    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    تشكيل هيئة مكتب نقابة أسنان القليوبية    نقيب الفلاحين يعلن دعمه لاتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    «المشاط»: 117 مشروعًا لدفع مشاركة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا    عادات يومية للتحكم في نسبة السكر بالدم.. آمنة على المرضى    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يسبق إلى دارفور.. الاحتلال أم السلام؟!
نشر في المصريون يوم 19 - 05 - 2006

مفكرة الإسلامالمرات في بلاد الغزاة، غير أن الآلة الإعلامية والمنظمات التنصيرية والأيدي الاستعمارية تلعب لعبتها وتمد يدها فتجعل من الحدث أحداثًا، ومن المشكلة عصيانًا. وتتطور الأحداث فتصير تمردًا، وبمزيد من الضغط وكثير من الدعم يصبح للتمرد قوة وللثائرين أنياب، وللاحتلال موطئ قدم.. غزو عسكري أو نفوذ سياسي. تلك هي قصة دارفور، شهدنا مثلها كثير في أراضي المسلمين، فما هي الأسباب، ومن يسبق إلى دارفور هذه المرة، الاحتلال أم السلام؟! الطريق إلى دارفور: تبلغ مساحه إقليم دارفور 510‏ آلاف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد السكان قرابة ستة ملايين، وينقسم الإقليم إداريًا إلى ثلاث ولايات هي شمال وجنوب وغرب دارفور، ويلتقي حدوديًا مع ثلاث دول هي ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى. ويتميز إقليم دارفور بالطبيعة القبلية، وتنقسم قبائل دارفور إلى عدة أعراق؛ يقطن في الريف 75%‏ منهم، بينما يمثل الرعاة الرحل حوالي‏ 15%‏، والباقون يقيمون في بعض المدن، مثل الفاشر، ونيالا، وزالنجي‏. وجميع سكان دارفور هم من المسلمين السنة، بل إن دارفور اشتهرت بأنها بلد القرآن الكريم، وذلك لتعظيم سكان دارفور القرآن الكريم وحفظته؛ حتى أن المقدم على الزواج كان لا بد وأن يكون حافظًا لكتاب الله كشرط لإتمام العقد. وظلت دارفور منذ عام 1600 للميلاد بلدًا مسلمًا جميع سكانه من المسلمين، وظل القرآن الكريم القاسم المشترك بين القبائل العربية والإفريقية، والحكم بينهم فيما يثور من نزاعات. وقد عاش الرحل والمجموعات المستقرة وشبه الرعوية والمزارعون في دارفور في انسجام تام منذ قديم الزمان، وهناك علاقات مصاهرة بينهما، واعتادت مجموعات الرحل التنقل في فترات الجفاف إلى مناطق المزارعين بعد جني الثمار، وهذه العملية يتم تنظيمها في اتفاقيات محلية بين القبائل، وإن لم يخلُ الأمر - في أوقت الجفاف والتصحّر - من بعض المناوشات المتكررة بين الرحل والمزارعين في نطاق ضيق، سرعان ما كان يجري حلها، حيث كان يتم حل النزاعات في مؤتمرات قبلية تنتهي بتوقيع اتفاقيات المصالحة بين أطراف النزاع، غير أن النزاعات والحروب القبلية اتسعت بصورة كبرى مع الوقت، وتشعب النزاع، وتدخلت أطراف دولية وإقليمية فأخرجت هذه النزاعات المحدودة عن طبيعتها واستغلتها في تحقيق أطماعها الخاصة. خلفية الصراع وأسباب النزاع: كان الصراع في بدايته لا يتعدى كونه نزاعًا على قطعة أرض أو منطقة رعي، سرعان ما يتم تسويته، إلا أنه تطوّر بعد ذلك إلى مطالب لأبناء دارفور بالتنمية وتحسين أساليب العيش، ولم يكن في ذلك غضاضة، ولم يتعد الأمر ذلك النطاق، غير أن عوامل كثيرة لعبت دورًا في نقل الخلاف من هذا النطاق إلى النطاق السياسي الذي قد يبلغ في بعض أوجهه المطالبة بالانفصال والاستقلال، ونستطيع أن نحصر أهم هذه العوامل في النقاط التالية: 1- غياب الهوية الإسلامية الجامعة: منذ الاحتلال الإنجليزي للسودان ومصر، والاحتلال يعمل على تغذية الولاء القبلي على حساب الهوية الإسلامية الجامعة، وهو ما يبدو أن الاحتلال نجح في تحقيقه، وساعده في ذلك أن الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال فشلت في صياغة مشروع إسلامي جامع لجميع أجزاء السودان؛ الأمر الذي دفع الولاء القبلي والعرقي إلى الصدارة. وزاد من تعقيد الوضع غياب مشروعات التنمية والخدمات الأساسية، نتج عنه شعور بالغبن والظلم ظنت معه القبائل الإفريقية بأن مجموعة القبائل الشمالية تحتكر الحكم والثروة، وتسعى إلى تحطيم من سواها من العرقيات الأخرى بزرع الخلافات والتهميش وغيره. 2- ضعف مركزية الحكومة: العامل الثاني الذي ساعد في إشعال النزاع ضعف الحكومات المركزية في الخرطوم، خاصة مع المساحة الشاسعة للإقليم المفتوحة حدوده مع الدول المجاورة؛ ما ساعد في انتشار السلاح في الإقليم وتفاقم النزاعات القبلية، وزاد الوضع سوءًا بعد قيام الرئيس السوداني السابق جعفر النميري بإلغاء الإدارات المحلية في الإقليم، والتي كانت تقوم بدور إيجابي في حل النزاعات بين القبائل سلميًا، وقد استبدل نظام النميري هذه الإدارة بلجان الاتحاد الاشتراكي، والتي لم تستطع التعامل مع مشكلات الإقليم؛ الأمر الذي زاد من تفاقمها، وتراكم الشعور الغاضب تجاه الحكومة في الخرطوم. 3- مشكلة الجنوب: وساعد في إشعال الصراع في دارفور، مشكلة جنوب السودان وفشل الحكومات السودانية في وضع حل نهائي له يحفظ للسودان وحدته ومركزيته. ولقد أدى نجاح متمردي الجنوب المدعومين عالميًا في فرض مطالبهم بقوة السلاح، إلى خلق إحساس عام بأن السلاح هو القوة الكفيلة باسترجاع الحقوق وتحقيق المطالب، إضافة إلى وجود بعض الأحلام القديمة لبعض القبائل التي تشكل امتدادًا يفترش أراضي أكثر من دولة مجاورة للسودان، تلك الأحلام التي تُمني بقيام دولة منفصلة، على غرار أحلام الأكراد في تركيا والعراق، ولكن هذه الأحلام أصبحت تدعمها حركة وسعي دءوب وتخطيط وتنظيم لتحقيقها واقعيًا. 4- سوء إدارة الحكومة السودانية للأزمة: لعبت الحكومة السودانية دورًا في إشعال الصراع في إقليم دارفور؛ نظرًا لعدم إدارتها تلك الأزمة بحنكة وحكمة، فالنزاع في بدايته كما أوضحنا لم يتعدَّ المطالبة ببعض الحقوق، غير أن اختيار الحكومة السودانية للحل العسكري وسكوتها عن أفعال ميليشيات الجنجويد تسبب في إشعال الصراع في تلك المنطقة، واختيار قادة الإقليم الاستقواء بالخارج على الاحتماء بالداخل. وبشأن الجنجويد نشير إلى أن الحكومة السودانية لجأت في أول الأمر إلى تسليح عدد من القبائل العربية من أجل مواجهة هجمات متمردي الجنوب، غير أن بعضًا من تلك القبائل العربية استخدمت هذا السلاح ضد القبائل الإفريقية، وعندها كان يجب على الحكومة السودانية التدخل لمعاقبة المسئولين عن هذا، إلا أن الحكومة اختارت الصمت وقتها عن ممارسات هذه القبائل، ولم تتحرك بشكل جدي لنزع سلاح هذه الميليشيات وتلك القبائل. 5- الأيادي المشبوهة التي أذكت الصراع: إضافة لهذه العوامل السابقة، فإن الأيادي المشبوهة من الداخل والخارج لعبت دورًا بارزًا في إذكاء الصراع، ومن أهم هذه الأيادي "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي كانت تقود التمرد في الجنوب؛ حيث عمل "جون جرنج" على إذكاء الصراع في تلك المنطقة، بل إنه لعب دورًا بارزًا في تشكيل حركة تحرير دارفور، التي حملت فيما بعد اسم "حركة تحرير السودان"، وهي الفصيل الأكبر بين الحركات المسلحة في دارفور. كما أن الدكتور "حسن الترابي" لعب دورًا في ذلك عبر تشجيعه لحركة "العدالة والمساواة"، وهي الحركة الثانية بين متمردي دارفور، ولعل الترابي عمد إلى ذلك من أجل الانتقام من النظام السوداني بعد أن أخرج منه. وفضلاً عن الأيادي الداخلية، فلا يستطيع أحد أن ينكر دور دول الجوار في إذكاء الصراع خاصة إريتريا، وكذلك دور "إسرائيل" في دعم المتمردين، وهي أدوار لا تخفى وكثر الحديث عنها، إلا أننا نشير فيما يأتي إلى أهم دورين في هذه القضية؛ الدور الأمريكي، ودور المنظمات التنصيرية. الدور الأمريكي في قضية دارفور: اهتمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدولة السودان، ومحاولة إيجاد موطئ لها في ظل حكومة الإنقاذ، وزاد ذلك الاهتمام مع بدء ظهور النفط في الأراضي السودانية، وازداد أكثر بعد هجمات 11 سبتمبر 2001؛ حيث احتلت السودان موقعًا متقدمًا في الاستراتيجية الأمريكية لإعادة رسم خريطة العالم. وبعد هجمات 11 سبتمبر تبنت الإدارة الأمريكية خطة أولية تعتمد جعل السودان دولة بنظامين؛ نظام في الشمال وآخر في الجنوب، غير أن ما جدّ على أرض الواقع من أحداث في دارفور وفي شرق السودان دفع أمريكا إلى تبني استراتيجية جديدة تجعل السودان كالبلد المجزّأ الذي لا ترتبط مكوناته إلا برباط هش ضعيف تتحكم فيه واشنطن، لذلك فإن واشنطن عمدت إلى تعطيل أي حل سياسي لإقليم دارفور ما لم يتوافق مع خطتها، فكانت كلما اقتربت الحكومة السودانية والمتمردون من حل لقضية الإقليم تتخذ الإدارة الأمريكية إجراءات وقرارات تشجع المتمردين على المطالبة بالمزيد، وهو ما يبدو أنه سيتحقق لواشنطن في نهاية الطريق. دور المنظمات التنصيرية في أزمة دارفور: للمنظمات التنصيرية تاريخ طويل في إثارة واستغلال الاضطرابات والحروب الأهلية في السودان، منذ اندلاع أول تمرد عسكري في جنوب السودان عام 1955م، مرورًا بما حدث في جبال النوبة، انتهاءً بما يجري في دارفور الآن، ويوجد بالسودان قرابة 112 منظمة أجنبية مسجلة، وما يعمل منها في دارفور أكثر من 62 منظمة، وفي كل يوم تدخل البلاد منظمة جديدة. وقد لعبت المنظمات التنصيرية دورًا ماكرًا في أزمة دارفور، ففضلاً عن محاولاتها المستمرة لتنصير من تستطيع من مسلمي دارفور، نجدها ساهمت بشكل ملحوظ في تأجيج الصراع في هذه المنطقة وتصويره على أنه إبادة جماعية، وقد سعت لذلك عبر ثلاث خطوات: الخطوة الأولى: مساعدة المتمردين عسكريًا، وتقديم أشكال مختلفة من الدعم لهم، وقد ضبطت الحكومة لأكثر من مرة أدلة مباشرة تشير إلى دعم هذه المنظمات والدول التي من ورائها لحركات التمرد من طائرات محملة بالسلاح وغيرها. الخطوة الثانية: وهي الأخطر، أنها سعت بطريق غير مباشر في تشجيع أهالي دارفور على النزوح من قراهم والإقامة بمعسكرات اللاجئين التي تخضع لإشرافها وتسيطر عليها، ومن خلالها تسطر مزاعمها عن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ففي معسكرات اللاجئين قامت بتوفير ما يحتاج إليه إنسان دارفور وما لا يحتاجه، بل وما لم يكن يحلم به، ولم تسع إلى إعادة إعمار قرى دارفور كما تفعل المنظمات الوطنية والإسلامية، الأمر الذي دفع إنسان دارفور المقيم بمعسكرات اللاجئين إلى التفكير فيما الذي يدعوه إلى العودة إلى القرى المحروقة، وهو يجد أكثر مما يحتاجه في هذه المعسكرات بدون عناء، وقد أدى هذا إلى تثبيط فاعلية البرنامج المضاد الذي تقوم به الحكومة والمنظمات الوطنية والإسلامية لإعادة النازحين إلى قراهم بتطبيق برنامج الإغاثة على أراضيها. كما تسعى المنظمات الأجنبية أحيانًا إلى افتعال واصطناع حالات نزوح غير حقيقية، ويذكر أحد العاملين في منظمة إسلامية أن الناس يتناقلون في نيالا خبرًا مفاده أن واحدة من هذه المنظمات الأجنبية كانت تطرق أبواب الناس وتدعوهم إلى النزوح إلى معسكرها الذي ستقيمه من أجلهم، وتقدم لهم فيه ما تقدم من الخدمات والإعانات. الخطوة الثالثة: واكَبَ هذه الخطة الخبيثة حركة إعلامية خارجية كبيرة، قامت بتصوير دارفور وكأنها كتلة من اللهب وأكوام من الرماد!! وأن الناس هناك يتضورون جوعًا، ويتعرضون لجرائم يشيب لها الولدان، وقد قامت هذه المنظمات بتشكيل تحالف في أمريكا يعرف باسم "تحالف إنقاذ دارفور" يضم 150 جماعة دينية وإنسانية تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ويعمل هذا التحالف على اختراع الأكاذيب ونسج المزاعم بشأن ما يجري في دارفور. وتستغل هذه المنظمات في حربها الإعلامية عدم فهم أهالي دارفور للمصطلحات الواردة في نشرات الأخبار كما يفهمها الإعلاميون والغربيون، يقول الأستاذ محمد صالح عبد الله ياسين مدير هيئة إذاعة وتليفزيون ولاية جنوب دارفور: "إن أصحاب الفضائيات الغربية يعتقدون أن في دارفور خصوبة إعلامية كبيرة، ويقومون بتفسير بعض الظواهر العادية المرتبطة بالثقافة المحلية مثل مناظر الأطفال العراة، وغيرها على أنها نوع من انتهاك حقوق الإنسان". من يسبق إلى دارفور؟! أسباب كثيرة عجّلت باتفاق السلام الأخير بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور، قد يكون من بينها شريط أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، غير أنه بالتأكيد ليس السبب الوحيد. فبعد أكثر من سنتين من المفاوضات والمباحثات وبرعاية دولية تمثلت في الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ كان اتفاق السلام بين الحكومة السودانية وفصيل مني أركوي قائد حركة تحرير السودان. أهم الأسباب التي عجّلت بهذا الاتفاق هي رغبة الإدارة الأمريكية في طي ملف دارفور بعد أن ضمنت نفوذها هناك بعد مؤتمر حسكنيتة أوائل العام الجاري الذي رعته أمريكا ونصبت بموجبه مني أركوي زعيمًا عسكريًا وسياسيًا لحركة تحرير السودان وإقصاء عبد الواحد محمد نور ذي الميول اليسارية عن زعامة الحركة، والاتفاق الذي وُقّع يتيح لأمريكا نفوذًا أكبر في الإقليم، فهي قد ضمنت الفصيل الرئيس الذي وقّع على الاتفاق، إضافة إلى نفوذها في
الخرطوم عبر الحركة الشعبية. وبسبب تلك الرغبة الأمريكية مارست أمريكا ضغوطها على المتمردين، في الوقت الذي كانت الحكومة السودانية على استعداد تام للقبول بأي اتفاق سلام لينهي مؤقتًا هذا الملف الشائك. ولكن هل أنهى اتفاق أبوجا الأزمة في دارفور؟! أم أنه يعيد صياغة الأزمة على نحو جديد؟! للإجابة على هذين السؤالين، نشير إلى أن هناك عدة عوامل تتحكم في أزمة دارفور، تنحصر تلك العوامل فيما يأتي: 1. غياب الهوية وعدم معرفة الخصم لدى متمردي دارفور: إحدى أسباب أزمة دارفور، هو أن المتمردين أنفسهم لم يحددوا الخصم الذي يوجهون له حرابهم؛ حيث يتنوع هذا الخصم بين ثلاثة اتجاهات متعارضة أوردتها دراسة قام بها الصحفي السوداني ضياء الدين بلال، وهي: الاتجاه الأول‏: الصراع هو على مكونات الطبيعة من مزارع ومراعٍ وظروف بيئية فرضت ندرة في الموارد ترتب عليها صراع مصالح‏.. الاتجاه الثاني‏:‏ يقسم دارفور على أساس إثني ما بين القبائل الإفريقية والعربية، ويصور الصراع بأنه ضد الوجود العربي بدارفور، ويعتبر المركز امتدادًا لذلك الوجود وداعمًا له ضد المجموعات الإفريقية؛ لذا يجب مناهضته‏.‏ والاتجاه الثالث‏:‏ يصور الصراع على أساس جغرافي، باعتبار أن دارفور جزء من قطاع واسع - يضم الجنوب والشرق وأقاصي الشمال - يتم تهميشه من قبل المركز النيلي المحدد بمثلث "الخرطوم وكوستي وستار"‏، وهو مركز متصور كمسيطر على السلطة والثروة‏.‏ وهذه الاتجاهات المختلفة تعكس في الوقت نفسه أبعاد أزمة الهوية، فهناك التباس في تحديد الذات؛ ومن ثم في تحديد "العدو‏"؛ هل هو عدو إثني محدد؟! أم عدو ثقافي؟! أم عدو جغرافي؟! فكل خيار من هذه الخيارات يفترض لغة وخطابًا مغايرًا للخيارات الأخرى‏. 2. كثرة الانشقاقات داخل المتمردين: وقّعت حركة تحرير السودان اتفاق السلام مع الحكومة السودانية، وتوجد ضغوط على حركة العدل والمساواة حتى تقوم بالتوقيع، وعلى الرغم من أن حركة تحرير السودان تعد أكبر حركات التمرد في دارفور، إلا أنها تعاني انشقاقات حادة؛ حيث شهدت الحركة انقلابًا لصالح "مني أركوي"، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لرئيس الحركة "عبد الواحد محمد نور"، الذي لا يقود فصيلاً داخل الحركة يرفض المشاركة في اتفاقيات السلام. لذلك فإن المعارضة السودانية اعتبرت اتفاق الحكومة مع أحد فصائل التمرد بدارفور دون غيره من الفصائل الأخرى اتفاق سلام هشًا وناقصًا لا يمثل رغبات المواطن في الإقليم. ورأت المعارضة أن الضغوط الدولية على الأطراف المتفاوضة أغفلت جوانب رئيسة تمثل جذور الأزمة في الإقليم، ولم تستبعد لجوء مجموعات رافضة للحرب مرة أخرى لإثبات وجودها، وإرغام الحكومة والمجتمع الدولي على قبول مطالبها. كما لم تستبعد انسلاخ قادة ميدانيين رافضين للاتفاق من مجموعة "مني أركوي" والانضمام إلى فصيل عبد الواحد محمد نور، أو حتى عزل أركوي من رئاسة الحركة وإسنادها إلى قائد جديد. 3. الاتفاق الأخير يحمل تبريرًا لتدخل القوات الدولية: في ظل عدم مشاركة جميع فصائل التمرد في اتفاق السلام الأخير، فإن ذلك يعني أنه لن يثبت على أرض الواقع، وقد يؤدي إلى مزيد من الحرب في الغرب والشرق، وإذا كان الاتفاق لم يشمل في بنوده أي موقف تجاه القوات الدولية، فليس من المستبعد أن تتدخل هذه القوات الدولية باسم مراقبة وقف إطلاق النار، وعندئذ ستتحول دارفور إلى ساحة للمعارك الدولية والأجندة الخارجية. ولقد أشيع عقب توقيع الاتفاق أن الحكومة السودانية وافقت على نشر القوات الدولية بدارفور، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الاتفاق الأخير قد لا يكون سوى تمهيد لدخول القوات الدولية إلى السودان المصدر : مفكرة الاسلام

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.