نشرت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي Carnegie Endowment for International Peace في شهر نوفمبر من العام الحالي (2009) مقالة مهمة - توجيهية ووقائية - عن الأحداث المحتمل حدوثها بمؤتمر المراجعة لمعاهدة حظر الانتشار النووي العام القادم 2010، وتأثير الدور المصري على نسبية نجاح أو إخفاق المؤتمر في التوصل إلى وثيقة ختامية متفق عليها، على الأقل، من غالبية الدول خاصة النووية في مقدمتها الولاياتالمتحدة. أعد تلك المقالة التي حملت عنوان "القيادة النووية المصرية: الوقت لإعادة تنظيم؟ Egyptian Nuclear Leadership—Time to Realign" مساعدة شئون البحث في برنامج حظر الانتشار النووي كيمبرلي ميشر Kimberly Misher. وتجري كيمبرلي بحوثًا بشأن الدفاع الصاروخي الأمريكي، والسياسة النووية الروسية. مراكز "الفكر والرأي" مرآة الإدارة تعكس المقالة الرؤية والتصورات الأمريكية للدور المصري، ومدى تأثير قيادتها الإقليمية لإحراز تقدم ملموس بشأن قضايا نزع السلاح، وما اتسم به مؤخرًا نظام منع الانتشار بالجمود والركود، حيث تعكس الدراسات والمقالات المقدمة من مراكز الفكر والرأي الأمريكية كأحد اللاعبين في تحديد أولويات أجندة السياسة الخارجية التوجهات والرؤى والهواجس الأمريكية بشأن قضايا هامة للإدارة الأمريكية . بمعنى آخر تعد إصداراتها مرآة لمنظور الإدارة الأمريكية. وتأتي أهمية المقالة التي نحن بصددها من اقتراب مؤتمر المراجعة لمعاهدة حظر الانتشار النووي NPT وتزايد توجيه النقد لفاعلية المعاهدة وتأثيرها. بالإضافة إلى وجود عديدٍ من التغيرات على الساحة الدولية منها تغير توجهات الإدارة الأمريكيةالجديدة عن سابقتها، فقد جاء خطاب إدارة أوباما عن عالم خال من الأسلحة النووية. والتعنت الكوري والتشدد الإيراني بشأن البرنامج النووي. وتصاعد المخاوف الأمنية لعديدٍ من دول منطقة الشرق الأوسط من استمرار الغموض النووي الإسرائيلي، تقاعس عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مع التوسع في بناء المستوطنات. وعدم التزام الدول النووية بالتزاماتها بتخفيض وتقليص ترسانتها ليس فقط كميًّا ولكن نوعيًّا. والتعاون بين الولاياتالمتحدة ودولة الإمارات العربية بشأن برنامجها النووي. وأخيرًا بدء عديدٍ من الدول العربية باستئناف برنامجها النووي السلمي. مصلحة متبادلة من إحياء العلاقات تُقسم المقالة إلى خمسة أجزاء. يستعرض الجزء الأول بعنوان "لحظات جديدة" أو "ميلاد جديد" الإجراءات المتخذة من جانب الولاياتالمتحدة لإحياء العلاقات المتبلدة والمتوترة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي عن طريق البوابة المصرية، باعتبارها منبرًا للشرق الأوسط . فقد اختار الرئيس أوباما القاهرة لإلقاء خطابه أمام حشد يتجاوز الثلاثة آلاف في الرابع من يونيو من العام الجاري، والذي كان بمثابة بدء حقبة جديدة من البناء والتعاون بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي. وكان الخطاب في الوقت ذاته بمثابة اعتراف أمريكي بالدور الاستراتيجي الهام لمصر لإقامة وإعادة تنشيط العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي . في المقابل تنتظر الإدارة الأمريكية أن يترجم الدور المصري الأقوال والثقة الأمريكية إلى نتائج ملموسة خاصة بشأن ملف نزع السلاح وحظر الانتشار. فترى الباحثة أن الدور المصري يجب أن يترجم الثقة الأمريكية بمنع حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، مما يعد أمرًا عاجلاً، خاصة في ظل تقدم إيران في قدراتها النووية، و احتمال أن تكون مصر سياسيًّا واقعة بين دولتين نوويتين مما قد يزيد من تولد ضغوط محلية للحصول على رادع نووي كوسيلة لضمان الأمن والمحافظة على النفوذ الإقليمي. ومع ذلك، فإن أفضل طريقة لمصر للاستفادة من التهديد الأمني الذي تمثله إيران هو الاستمرار في أن تكون نموذجًا لضبط النفس في الشرق الأوسط، والضغط من أجل الأمن ونزع السلاح في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، من خلال قدرة مصر في ترسيخ آفاق عربية حول الحد من التسلح وتعزيز ريادتها الإقليمية. فرصة مصرية تواجهها تحديات تشير كيمبرلي لأهمية المؤتمر الاستعراضي للمعاهدة في عام 2010، باعتباره أفضل فرصة ووسيلة لمصر للمضي قدمًا في إحداث تقدم لجدول أعمال نزع السلاح. وعلى وجه التحديد، الشروع في التحرك نحو تنفيذ قرار 1995 بشأن الشرق الأوسط، الذي يدعو إلى إحراز تقدم في عملية السلام، وجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. حيث ستحتل مصر رئاسة كل من: تحالف الأجندة الجديدة (NAC) وحركة عدم الانحياز(NAM) خلال المؤتمر الاستعراضي لمعاهدةNPT لعام 2010. وقد أوضحت المقالة قدرة هذه التحالفات على التأثير في النقاش والمفاوضات سواء كواضعي اتفاق أو معارضين له، إلا أنه قد ضعف وتراجع تأثير هذه التحالفات في السنوات الأخيرة نتيجة لتعنت مصر، بالإضافة إلى نظام العضوية المتنوعة داخل حركة عدم الانحياز، والتي تجعل الصياغة القوية واتفاق الآراء أمرًا بالغ الصعوبة، خصوصًا في ظل حيازة الهند وباكستان الأسلحة النووية واستمرارهما خارج معاهدة حظر الانتشار النووي. أشارت كيمبرلي إلى وجهات النظر المصرية المتشددة التي تقلل من القدرة التفاوضية الجماعية لحركة عدم الانحياز في إطار عملية استعراض المعاهدة وعدم التوصل إلى موقف موحد لاعتبار أن وجهات النظر المصرية غير عملية. كالإصرار على نزع سلاح الإسرائيلي والانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي بوصفها دولة غير حائزة للأسلحة النووية السلمية يجب إتمامه قبل إقامة علاقات مع جميع جيرانها. فقد قوض تأثير تحالف الأجندة الجديدة (NAC) بسبب رفض مصر على أن تتعهد بالتصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب والتي تعد أحد الخطوات الثلاثة عشر التي وضعت من قبل دول التحالف وتم قبولها باعتبارها وثيقة نهائية في مؤتمر استعراض المعاهدة عام 2000. معضلة تمديد معاهدة منع الانتشار جاء الجزء الثاني بعنوان "جمود السلطة" حيث يشير إلى ما انتهى إليه مؤتمر المراجعة في عام 1995، حيث قادت مصر أربع عشرة دولة عربية لمقاومة المد اللانهائي لمعاهدة حظر الانتشار النووي. وكان نتيجة هذا الاتحاد أن اضطرت الدول الثلاث: الولاياتالمتحدة، المملكة المتحدة، والاتحاد الروسي إلى التوصل إلى حل وسط عن طريق رعاية القرار المتعلق بالشرق الأوسط لكسب التأييد العربي للتمديد. ومنذ أن تم تمرير القرار دون تصويت كجزء من قرار التمديد، يتم النظر إلى القرار على أنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتمديد. ونتيجة لذلك، أصرت مصر وشجعت دولاً أخرى بالمنطقة على تجميد أي محاولة إحراز أي تقدم للمعاهدة إلا إذا تم تقدم مقابل في تنفيذ قرار الشرق الأوسط، وقد تسبب ذلك في الوصول إلى جمود تمارسه سلطة ممثلة في مصر بما لديها من سلطة إقليمية. فعلى الرغم من أن المبادئ المصرية والموقف التفاوضي المتشدد نجح في إلزام الدول بالقرار المتعلق بالشرق الأوسط، إلا أنه ساق أيضًا إلى الدخول في حقبة من المأزق السياسي، طبقًا لما تراه الباحثة. فإذا حاولت الدول النووية أن تنأى بنفسها عن القرار قبل مؤتمر استعراض عام 2000، فرضت مصر طريقًا مسدودًا في جميع اجتماعات اللجنة التحضيرية. وقد نجحت مصر، في نهاية المطاف، في إحراز تقدم نحو قرار منطقة الشرق الأوسط لعام 1995 واعتباره في الهيئة الفرعية في مؤتمر استعراض عام 2000، فضلا عن تجميع الوثائق المتعلقة بالتنفيذ في أمانة الأممالمتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فازت مصر بإعادة تأكيد القرار المتعلق بالشرق الأوسط في الوثيقة النهائية للمؤتمر لعام 2000، وبالتالي ألزم الدول الثلاثة بالتزامات قرار الشرق الأوسط لعام 1995 وربط القرار بالتمديد مرة أخرى. وفي المؤتمر الاستعراضي لعام 2005، تحركت الولاياتالمتحدة بمزيد من الحزم والعدائية للتقليل من أهمية القرارات الصادرة عن المؤتمرات السابقة خاصة مؤتمر 1995، إلا أن مصر اعترضت بشدة، ونتيجة لذلك استمرت المفاوضات شهرًا واحدًا فقط ثم أفضت إلى اتفاق على نقاط الملخص المبدئي للمؤتمر، في حين لم تصدر وثيقة توافقية تؤكد من جديد التزام القرار 1995، إلا أن مصر قاومت بنجاح اعتماد الوثيقة التي تتراجع بمقتضاها الدول عن التزامات المؤتمرات السابقة للمعاهدة. المصدر: تقرير واشنطن