أستغرب جدا الكلام "الأكاديمي" الجميل الذي يردده الدكتور مفيد شهاب ، رئيس جامعة القاهرة سابقا ، ووزير شؤون البرلمان حاليا ، عن صفات المرشح لرئاسة الجمهورية ، بمناسبة الضجة التي صاحبت دعوة الدكتور محمد البرادعي للترشح للمنصب ، حيث ذهب شهاب إلى التأكيد مرارا وتكرارا على أن البرادعي عالم جليل صحيح ولكنه لا يصلح لمنصب رئاسة الجمهورية لأنه يفتقر إلى الخبرة السياسية والحزبية ، والسؤال البديهي الذي سيضطر مفيد شهاب للإجابة عليه هو : وهل كان السيد اللواء محمد حسني مبارك يملك الخبرة السياسية والحزبية الكافية لرئاسة الجمهورية عندما تولى المنصب فجأة في شتاء 1981 وحتى الآن ، ومشيت معاه ، والحقيقة أن مصر الدولة تتميز بكونها تملك منظومة إدارية بيروقراطية تنجز إدارة شؤون الدولة وتدفع بها بطريقة القصور الذاتي ، ومصر لا ينقصها الوعي السياسي ولا الكفاءات السياسية ولا الرؤية ولا المشروع ، فكل ذلك واضح وضوح الشمس للجميع ، ولكن مصر تحتاج إلى إرادة الإصلاح الحقيقية ، التي توقف مسلسل الفساد وتقطع الطريق على دوائره وتفككها ، وتحمي العدالة التي هي قوام الدول والممالك كما قال السابقون حتى أن العلامة ابن القيم رحمه الله كان يقول : إن الله تعالى يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة ، ولا يقيم دولة الظلم ولو كانت مسلمة ، لأن العدالة في النهاية هي صانعة الأمن والأمان الحقيقي لاجتماع الناس ونشاطهم وبالتالي هي ضمانة الازدهار وصناعة الحضارة ، وحماية العدالة يكون بإعادة الهيبة للسلطة القضائية وتحقيق الاستقلال الحقيقي والتام لها عن السلطة التنفيذية وعن السلطة التشريعية ، وتطوير أدائها وتنزيه عمليات الترشيح والاختيار لرجالها ومنحها ما تستحق من قدرة وميزانية لتحديث أدواتها ، بحيث تلاحق هذا التطور الخرافي في عمليات التقاضي ، كذلك تحتاج الدولة إلى تصحيح المنظومة السياسية وحرية تكوين الأحزاب وحرية إصدار الصحف وحصانة العمل النقابي من التغول الإداري الرسمي ، وتحتاج الدولة إلى توفير الحماية الكافية للمواطن أمام تجبر قدرات الدولة الأمنية ، وإعادة الاعتبار للقانون والعدالة الناجزة في هذه العلاقة بما يشمله من رفع حالة الطوارئ ، وأمور أخرى عديدة من وجوه الإصلاح هي بكل تأكيد فوق فكرة الأحزاب وفوق الانتماء السياسي ، هذا ما تحتاجه مصر ، لكي نحصل على وطن نفخر به وننتمي إليه ونفتديه بالمال والولد ، وطن تكون فيه الدولة ومؤسساتها أقوى من الحاكم ، والشعب أقوى من الحكومة ، وأما حديث مفيد شهاب عن الأحزاب والخبرة السياسية فهو كلام لا يليق بمثله ، لأنه لا توجد أحزاب حقيقية ، وإنما جماعات مصالح أشبه بنوادي فكرية محدودة الانتشار وهامشية التأثير تعمل على وقع التوجيهات الرسمية من قيادات الحزب الحاكم نفسه ، والخلاف بينهم في مستوى الذكاء والحنكة في حفظ مساحات خلاف من أجل الوجاهة فقط لا غير ، لأن الحزب الحاكم يستطيع أن يغير قيادة أي حزب معارض الآن خلال أربعة وعشرين ساعة ، ويكفي أن جميع أحزاب المعارضة المصرية تعجز اليوم عن تقديم مرشح واحد للرئاسة من بين أعضائها ، فيحاول كل حزب منها أن "يستأجر" مرشحا من الخارج ، سواء البرادعي أو عمرو موسى أو أحمد زويل ، وهذه كوميديا سوداء بامتياز للحياة السياسية في مصر ، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال غياب الكفاءات المصرية وأصحاب الوعي والرؤية والشفافية ، بل هم كثير ، ولكن أغلبهم عزف عن المشاركة في هذه المسرحيات السياسية التي يديرها الحزب الحاكم ، لأنها مهينة لكرام الناس ورموز مصر الحقيقية ، على كل حال نحن ما زلنا نناقش فرضيات نظرية ، من باب الحلم المشروع بمستقبل أفضل لبلادنا ، أما الواقع ففي الغالب يشكله من يملك القوة الحقيقية وقت الاختيار . [email protected]