تلقى الجمل المعبرة عن إساءة الآخرين وظلمهم إعجابًا كبيرًا على فيس بوك وتعليقات تؤكد أن الآخرين هؤلاء دائمًا مخطئون أما نحن فإننا مثال للطيبة والتسامح تتجسد فينا الفضائل كلها حتى نكاد نسمو ونرتفع لنطير بأجنحة شفافة لولا جسدنا الطينى الثقيل. السؤال الذى يؤرقنى إذا كان الكل يعتبر نفسه فى قائمة الطيبين فيا ترى أين يختبئ الآخرون الأشرار؟ فى الحقيقة هذا من ضمن حيل دفاعية كثيرة يمارسها الإنسان حين ينظر فى مرآته الخاصة فيرى ذاته كاملة مبرأة من كل عيب ويشعر بألم وأسى نفسى كبير كلما رماه أحد بسهم من سهام الظلم ولا يفطن هو لجعبته التى كادت تفرغ من سهامها من كثرة تصويبها للناس. وهكذا يعتقد أن ما يفعله دائمًا له مبرر قوى أما الآخرون فيا لهم من أشرار، يتهور سائق السيارة حتى يكاد يصدم المارة العزل ثم يصب عليهم شتائمه ولعناته ويتهمهم بالغباء والغفلة، وتقصر الزوجة فى حقوق زوجها وتلجأ دائمًا لسلاح النكد والمطالبات ثم تشكوه فى كل مكان ويترسخ لديها اعتقاد جازم أنها امرأة سيئة الحظ لم تنل ما كانت تستحقه، حتى أولادنا دائمًا يرون أنه كان يليق بهم بيت أفضل وسيارة أفخم ومَن يدرى ربما يتمنون أبًا وأمًا أفضل وأكثر ثراءً. إنها ثقافة الاستحقاق التى استقرت فى يقين شعب عانى من الاستبداد والنمطية وقتل التفكير الإبداعى حتى صار كل شخص يرى أنه مستحق لكل الخير دون أن يتكلف فى سبيله إلا أقل جهد وأيسر طريق. يا عزيزى كلنا أشرار أحيانًا وأخيار أحيانًا أخرى وكلنا مقصرون، وفى الحقيقة فإن مَن يشكو من الآخرين ويتهمهم بالتقصير فى حق جنابه هو أكثر من أخشى معاملته فقد يضيفنى قريبًا لقائمة الأشرار المغضوب عليهم، أما الهين اللين الذى يقدر ويتسامح فهو ذو النفس الزكية حقًا، يقول تعالى فى سورة ص ( وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم) المخالطة فى حد ذاتها تؤدى لبعض البغى والتجاوز والحل هو التسامح من ناحية والاعتراف بالخطأ من ناحية أخرى، أما التفكير المبدع الإيجابى فهو أساس تحسين العلاقات بين الناس، لدينا دائمًا زوجة صالحة فى حد ذاتها وزوج محترم ولكن التواصل الخاطئ النمطى بينهما يؤدى إلى المشاكل وسوء العلاقة؛ لأن كل منهما يتصرف متوقعًا رد فعل معين فإذا لم يجده لجأ للشكوى والتباعد وتكبر المشكلة. إن من يتصدى للتحكيم بين أب وابنه، زوجة وزوجها، أخ وأخته، جار وجاره الآخر، فيما ينشأ بينهما من مشكلات يجد أن كلا الطرفين لديه بعض الحق وشيء من وجاهة الرأى ولكن سوء الظن والبغى وفقدان مهارات التواصل الاجتماعى أدت لتعقد المشكلة وزيادة التنازع حتى صار كل طرف يرى نفسه مظلومًا بريئًا والآخر معتد أثيم. من الممكن أن تبدأ فورًا فى تحسين علاقاتك بحسن الظن والتماس العذر وخيرهما الذى يبدأ بالسلام والصفح الجميل وهو صفح بغير معاتبة، أما أهم خطوة وأصعبها فهى إدارة العلاقة بشكل مختلف ومناسب للطرف الآخر بعد أن عرفت عيوبه ومميزاته الشخصية، لا ثوابت ولا جوامد فى العلاقات الناجحة ليس مهمًا من يبدأ ومن يتحمل أكثر ومن يبذل ولكن المهم نجاح العلاقة الذى يضيف الكثير للطرفين ويجمل الحياة ويجعلها سعيدة. من يشعر بالتعاسة فإن ذلك ليس دائمًا بسبب غباء الآخرين وعيوبهم ولكنه كثيرًا ما يكون لأنك لم تعطهم فرصة، لم تمد لهم يدًا، لم تحبهم بما فيه الكفاية، لم تعطهم نوعية الاهتمام التى تناسبهم، إذا كان ما يحتاجه كل منا موجودًا عند الآخر فلماذا لا يمد يده إليه ويتبادلان المودة والمنفعة بدلا من التوجس والتربص ورصد العيوب وإحصائها؟