بغض النظر عن الاستغلال السياسى من طرف البعض للمطالب الشعبية، فمنذ سقوط نظام الدولة العسكرية الأمنية بزعامة حسنى المخلوع والحديث لا ينقطع ليل نهار عن تحقيق أهداف الثورة. من الناحية النظرية والشكلية، لا غبار فى كثرة الحديث عن طلب تحقيق أهداف ثورة 25 يناير. لكن يجب أن نسأل أنفسنا، ما هى هذه المطالب الثورية؟ ومن له حق المطالبة بها؟ وعلى من يقع تنفيذها؟ وما هى الإمكانيات المتاحة أمامنا؟ طبقاً للشعارات التى أطلقتها حناجر الجماهير خلال أحداث الثورة، كان أبرزها شعار "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، يعنى هذه هى مطالب الثورة، بالطبع، كان هناك شعارات أخرى لها طابع سياسى أو عسكرى أو أمنى أو اقتصادي. فأما من له حق المطالبة بها، فهو الشعب فى عمومه، وأمّا من يقع عليه التنفيذ، فهو الرئيس وحكومته لكن الإمكانيات المتاحة تواجه عجزاً كبيراً. وهذا بدوره يدفع ناحية ضرورة تصنيف أهداف الثورة على نحو: أهداف اجتماعية وأخرى سياسية. فأمّا "العيّش أو الخبز" و"العدالة الاجتماعية"، فهما "الكرامة"، ويدخلان فى باب الأهداف الاجتماعية. هذان الهدفان سيخدمان ملايين من المصريين، فإن تحقيقهما يتطلب أموالاً غير عادية، لأنك لن تقدم خبزا نظيفا ورخيصا لقبيلة أو قرية، وإنما لملايين المصريين وبشكل يومي. جميل.. لكن كيف يتم إنتاج هذا الخبز النظيف الرخيص؟ معلوم، أن الخبز نتاج لدقيق القمح أو القمح والذرة سوياً، ومصر تنتج تقريباً نصف حاجتها السنوية من القمح، والنصف الآخر، تشتريه من الخارج بالعملة الأجنبية. وطبقاً لأسعار القمح العالمية، فإن مصر تشترى هذا النصف، بما يعادل 3 مليارات دولار تقريباً. ثم، يأتى دور الطحن والخبز، وهما يعتمدان على الطاقة الكهربائية وعلى السولار والأيدى العاملة. ومجريات الأمور فى السنوات الأخيرة، كشفت عن وجود نقص فى إنتاج الكهرباء، بسبب تهالك محطات التوليد وعدم تحديثها طوال عشرات السنين الماضية. ومن بعد، لدينا أيضاً مشكلة فى السولار، لأننا لا ننتج كل ما نحتاجه منه، بل نشترى قسماً من الخارج، وهذا يتطلب عملات أجنبية. حتى الأيدى العاملة تحتاج لتدريب متطور، وإذا أضفنا مشاكل عصابات الجريمة الاجتماعية، الممثلة فى تهريب السولار (المُدعّم) وبيعه للخارج، وتهريب الدقيق (المدعم) وبيعه فى السوق السوداء، لمصانع ومحلات الحلويات والكعك، وتهريب الخبز (المدعم) لبيعه لمفارخ الدجاج والبيض والحيوان، إضافة تلك المشاكل، يحوّل أمر الخبز لمعضلة كبيرة. بناءً عليه، يعد إنتاج خبز نظيف ورخيص – حقا أساسيا اجتماعيا - فى ظل كل هذه المشاكل، يعد من المصاعب الكبيرة التى تواجه حكومة الرئيس محمد مرسى. وكان الرئيس مُفرطاً فى حسن النيّة والتفاؤل، عندما تصور الحل خلال 100 يوم فقط. صحيح، أن الخبز شهد تحسناً ملحوظاً فى صناعته وعرضه فى الشهور الماضية، لكن الشكوى لا تزال قائمة، خصوصاً الخبز الرخيص. كذا، لهدف "العدالة الاجتماعية" والذى يعد حلما لدى المصريين منذ قرون، وليس فقط فترة حكم حسنى المخلوع. هذا الهدف متشعب وضخم، لأنه يشتمل على توزيع الدخل القومى بعدل وإنصاف، وتوفير مرتبات مناسبة لملايين الموظفين والعمال، وتقديم خدمات ورعاية صحية وتعليمية وثقافية، وشبكات طرق وجسور وإنارة ومياه شرب وتليفونات وصرف صحى، ومعاشات لكبار السن والمحتاجين، وإعانات للبطالة، وبناء مساكن نظيفة رخيصة للقطاع الشعبى الضخم، وخدمات حديثة متنوعة لنقل الرُّكاب، وغيرهم. جميل وطيّب.. لكن يبقى السؤال: كيف يمكن تحقيق هدفى العيش والعدالة الاجتماعية، فى ظل العجز الكبير للموازنة العامة للدولة وتراجع احتياطيات النقد الأجنبى؟ إذاً، نحن أمام معضلة اقتصادية كبيرة، لأن الحل فى الهدفين الاجتماعيين، يعتمد على المال، وجزء من مال الحل، يلزم أن يكون بالعملات الأجنبية – الأجداد سمّوها بالصعبة – والعملات الأجنبية مصدرها قناة السويس والسياحة والمصريين العاملين بالخارج. مثلث جمع العملات الأجنبية هذا، لديه ضلع مهزوز وغير مستقر، منذ سنتين، وهو ضلع السياحة. بناءً على ما سبق، يحتاج تنفيذ الهدفين الاجتماعيين الكبيرين والمُعقّدين، خطة قصيرة الأجل (سنة) وأخرى متوسطة (3 سنوات)، وثالثة بعيدة (أكثر من 5 سنوات). وهذا بدوره، إلى جانب الرئيس، يتطلب برلمانا قويا يشرع القوانين، ويراقب ويحاسب الحكومة وبلديات وحكما محليا منتخب بنزاهة. وكل هذا يحتاج تنفيذه لاستقرار سياسى وأمنى، مصحوباً بالعمل الدؤوب والإنتاج، والتوقف عن التظاهر والاحتجاج، مع دعم شعبى مقرون بالصبر الجميل والدعاء، لأن حجم الأهداف ضخم. فى المقالة القادمة، أتحدث بإذن الله، عن القسم الثانى من أهداف الثورة وهو الحرية.