أحسست بالقلق عندما تنامى إلى سمعى ما تتعرض له مدينة الغردقة من أحداث تهددها ومن الممكن أن ترجعها إلى نقطة الصفر عندما كانت قبل أكثر من ثلاثين عاماً كنجع صغير فى صعيد مصر، ومنذ أن وصل إليها الفريق يوسف عفيفى محافظ البحر الأحمر فى يناير1981، وانجذب لشاطئها الجميل الذى فاق شواطئ "الريفيرا" فى فرنسا، وظل لأيام يفكر فى كيفية استغلاله، وهنا يقابله المعمارى العالمى الدكتور سيد كريم الذى خطط القاهرة الكبرى وكل المدن الجديدة، كما خطط مدناً كبيرة فى العالم العربى، أحس الدكتور سيد كريم بواجبه نحو أمته فخطط مدينة الغردقة بلا مقابل، وبعد ذلك واجه الفريق عقبات فى طريق تنفيذ هذا المشروع فبدأ يراسل الطيور المسافرة من رجال المال المصريين، وعرض عليهم خطط المشروع فترددوا فى بادئ الأمر لأن الحكومة لم تكن متحمسة له ووضعت العقبات والعراقيل فى طريقه ولم ييأس الفريق عفيفى وتحلى بالصبر والعزيمة والإرادة، بعدها وافقت الجهات التنفيذية على مشروع المركز السياحى بالغردقة، بشرط عدم تحمل الدولة أية تكاليف للمرافق، فلم يجد الفريق أمامه سوى إقناع الرواد الأوائل المغامرين والمستثمرين فى تحمل تكاليف المرافق، رغم شمول بنود عقود تخصيص الأرض بالمرافق، وكان يطلب مجموعة تلو مجموعة من المستثمرين لمقابلته، واستفسر منهم بكم تقدر تكاليف إنشاء الغرفة السياحة بخدماتها؟ وكانت إجابتهم ما بين 30- 40ألف جنيه، علماً أن تقدير وزارة السياحة مابين 100-150 جنيهاً، وأن عدد الليالى السياحية فى الغردقة لا تقل عن 300 ليلة سنوياً، وبفرض أن الحجرة بها سريران وبسعر إقامة 100 جنيه، فعليه يكون دخل الغرفة سنوياً 30 ألف جنيه ومعنى هذا أن رأس المال المستغل فى إنشاء حجرة سياحية يسترد خلال سنة واحدة.. وقال لهم مشجعاً: "بالله عليكم هل هناك استثمار أسرع من ذلك؟"... فقبلوا الفكرة بصدر رحب، وقاموا بتوريد حصصهم من التكلفة وتم تنفيذ أعمال المرافق المطلوبة فى زمن أقل من شهر. وكانت مفاجأة لهم ... لدرجة أن قرية (الجفتون)، وهى أول قرية تمت بالمشروع وأول قرية سياحية شيدها القطاع الخاص فى مصر – تم إنشاؤها بطاقة 350 غرفة فى أقل من تسعة شهور، وتوالى إنشاء القرى بعد تخصيص الأراضى للمستثمرين، ومد الخدمات لهذه القرى ورصف الطرق. كانت هذه قصة بداية السياحة فى الغردقة ومدن البحر الأحمر التى تمت بالجهود وبغيرة الرجال المحترمين الذين تشبعوا بكل معالم الوطنية وكانوا يعاندون النظام الذى كان يريد من الشعب أن يظل مشغولاً بالبحث عن لقمة العيش طوال الوقت حتى ينشغل عن فساده ونزواته وخيانته، وظل الفريق فى البحر الأحمر قرابة عشر سنوات أنشأها من الصفر، وجعلها فى سنوات منطقة جذب للسائحين من كل بقاع الأرض، جاءوا يستمتعون بشمسها وشاطئها الجميل وصحرائها الساحرة فى سياحة السفارى الغنية بالغابات والمحميات والحيوانات النادرة، وحياة البدو النقية وعاداتهم التى تسترعى الانتباه، فى حين بدأت الموجات البشرية تيمم شطرها نحو هذه البلاد الجديدة.. تساهم فى التنمية وما هى إلا سنوات حتى كونوا الأسرة والمدن.. وامتدت الرقعة العمرانية شمالاً وجنوباً حتى أن مدينة الغردقة كانت تضم أكثر من عشرين حياً بعد أن كانت فى الماضى عبارة عن حيين صغيرين أحدهما للصيادين، والثانى للموظفين الخدميين فى وسط المدينة، لاحظ أن رجال أعمال اليوم هم الذين لا يتحمسون للعمل ويريدون تعطيل كل شىء حتى يعود الماضى الذى كونوا فى مناخه الثروات الحرام.. ولقد عشت فى هذه المدينة الجميلة قرابة السبع سنوات كانت من أجمل سنوات عمرى وسط أهلها الطيبين وجوها الجميل، وقد نمى إلى علمى مؤخراً ارتفاع معدل الجريمة فيها بعد أن كانت هادئة وآمنة طوال اليوم، لم يكن أحد يجرؤ على ارتكاب أى فعل مخالف، وإذا وقع حادث، كان لا يؤثر على الحالة الأمنية للمدينة ولا يؤثر على السياحة، وقد حدث فى شهر واحد من عام 2010 أكثر من خمس حوادث قتل، منها وجود سائق مقتولا ومسند رأسه على عجلة قيادة سيارة الأجرة الخاصة به، ومنها قيام مدمن بقطع راس أحد الصيادلة بسنجة فى صيدلته لامتناع الطبيب عن إعطائه عقار الترامادول، ومنها قيام مشرف للأمن بأحد الفنادق بقتل زوجته التى تعمل فى أحد النوادى الصحية لشكه فى سلوكها، لم نر أن أحدًا قام بقطع الطريق أو رشق الأقسام أو حاصر مديرية الأمن أو المحافظة، كان الكل حريصًا على صيرورة عجلة الإنتاج، أما بعد الثورة فقد تغير الحال، وضعفت الشرطة، والجدير بالذكر أن الشرطة فى محافظة البحر الأحمر لم تنصاع لقرار وزير الداخلية العادلى بالانسحاب يوم جمعة الغضب28/1/2011، ولقد كنت شاهد عيان على عدم استخدام الشرطة للعنف، وحمايتها للمظاهرات وللأماكن الحيوية، ولم يحدث تخريب أو سرقة أحد، حدث فى كل مكان إلا الغردقة ومدن البحر الأحمر، ولست أدرى تخاذلهم بعد ذلك فى منع الجريمة والقبض على البلطجية الذين غزوا الغردقة بعد ذلك بتنسيق مع المفسدين من أعضاء الحزب الوطنى المنحل الذين سيطروا فى الماضى على شىء، وطالت أيديهم كل شىء فى هذه المدينة المسالمة. إن ما يحدث ينبغى أن يتصدى له سكان هذه البلدة وأكثرهم من جنوب الصعيد الذين لا يرضون بالحال المائل، ينبغى أن يدركوا مسئوليتهم، ويتصدون لدعوات الخراب والفساد والفتن، وأن حادث قتل طارئ بين اثنين اختلفا على قيمة إيجار كافتريا وقتل أحد المارة الذى حاول تدارك الموقف، لم يكن ليفجر المدينة ويطفش السائحين منها، ويضر بآخر أمل للدخل القومى لمصر، هناك أسر ما زالت تتعايش على دخل السياحة الضئيل، ويجب أن تقوم الدولة بدورها لتضرب بيد من حديد على كل أوكار الفساد والشغب. [email protected]