قالت صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية أن مصر في حاجة للتوافق السياسي الحقيقي أكثر من حاجتها لقرض صندوق النقد الدولي، معتبرة أن ذلك هو السبيل الوحيد للمضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية الصعبة ومواجهة العواقب التي من شأنها زعزعة استقرار البلاد على المدى القصير. وأوضحت أنه حتى تتمكن مصر من الالتزام بمعايير التقشف التي يحددها صندوق النقد الدولي والتي من شأنها استعادة الثقة في الاقتصاد وإعادة الاستثمارات وخلق فرص عمل، بما في ذلك زيادة ضرائب المبيعات، وخفض دعم الوقود، فإنها في حاجة إلى الدعم السياسي المحلي والذي يعد شرطاً حاسماً لنجاح هذا السيناريو، بل أن هذا الدعم في ذاته أحد الشروط المطلوب توافرها لتمرير القرض. ولكنها استدركت قائلة أنه بالنظر لرحلة البلاد السياسية منذ اندلاع الثورة فإن تحقيق هذا السيناريو يبدو ضرباً من الخيال، مشيرة إلى أن كل خطوة في المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد لم تسفر سوى عن المزيد من الصراع والاستقطاب بين الإسلاميين وخصومهم، وأن الانتخابات البرلمانية المقبلة لا تبدو وأنها ستكون استثناء، بحسب الصحيفة. وترى الصحيفة أن عبء خلق هذا التوافق يقع بالكامل على عاتق الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها القوة السياسية الأكبر في البلاد، والوحيدة التي ستتحمل حتماً مسئولية الفشل الاقتصادي. وأشارت إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تعول على الفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة بأغلبية تسمح لها بتشكيل الحكومة التي ستكلف بتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، مضيفة أن الجماعة تعتقد أنها تعيش في عالم مثالي حيث ستتمكن من إقناع الشعب بابتلاع الضريبة المريرة للإصلاح حتى يتمكنوا من الانتقال لمستقبل أفضل. غير أن الصحيفة شددت على أن الإصلاحات المطلوبة هي مساعي خطيرة في بلد فقير يعاني من انقسامات عميقة وفي حالة مستمرة من التغير السياسي. وأشارت أن هذه الإصلاحات تشمل التخلص من البيروقراطية، وإعادة هيكلة جهاز الشرطة الوحشي وغير الكفء، وإنشاء نظام فعال لضمان وصول السلع المدعومة للفقراء فقط. وحذرت الصحيفة من أنه في ظل الأجواء التي تعيشها البلاد فإن أعداء الرئيس مرسي خاصة فلول النظام السابق سيحرصون على ضمان أن تأتي هذه الإجراءات الصعبة بنتائج عكسية، وأن يبقى الاستقرار الذي سيضمن عودة السائحين والمستثمرين بعيد المنال حتى بعد انتهاء الانتخابات والحصول على قرض صندوق النقد الدولي. ولفتت إلى أنه حتى الآن كانت جماعة الإخوان المسلمين حريصة على إظهار تحالف المعارضة الممثل في جبهة الإنقاذ الوطني بأنه ضعيف وغير ذي أهمية والعمل على تقسيمه ونزع الشرعية عنه، مشيرة إلى أنه حتى دعوات المعارضة للحوار لم تكن سوى مناسبات لإلتقاط الصور بدون أي تأثير على عملية صناعة القرار السياسي، بل أنها تسعى لفرض تشريعات أكثر صرامة على للحد من الاحتجاجات وتقييد منظمات المجتمع المدني. ويرى المحللون أن ضعف المعارضة لا ينبغي أن يخفي تنامي المشاعر المناهضة لجماعة الإخوان المسلمين والتي أصبحت تمتد حتى للمظاهرات العادية في الشوارع، معتبرين أن الدستور لم يحظى سوى بتأييد 20% من الناخبين المؤهلين وأن السبب في تمريره يرجع إلى الإقبال المنخفض على عملية الاقتراع. وبحسب المراقبين فإن التحدي الحقيقي الآن يكمن في قدرة الرئيس مرسي على استعادة الثقة في قيادته، وأن فوز جماعته في الانتخابات البرلمانية المقبلة لن يكون كافياً لتحقيق ذلك.