ليس صحيحاً أن كل الطرق تؤدي إلى روما ولكني وجدته مدخلاً لطيفاً تنفذ من خلاله كلماتي إلى قلوبكم التي أحبها وعقولكم التي أحترمها. في بداية شهر أكتوبر للعام الجاري 2009-شهر المجد والإنتصارات- وصلتني دعوة من اتحاد النقابة العمالية بإيطاليا لأنهم بصدد تنظيم مظاهرة كبرى في العاشر من أكتوبر للمطالبة ببعض الحقوق وفي مقدمتها حقوق المهاجرين..فلبيت الدعوة وسعدت بها وربما سعدت بي هي الاخرى! ذلك أنني واحدة من هؤلاء الذين يعشقون النضال من أجل الكرامة واسترداد الحقوق الإنسانية المُهدرة. وشرعنا في الإستعداد، وتم التنسيق مع فروع الإتحاد بجميع المدن الإيطالية كي نلتقي في نفس الساعة بالعاصمة روما، كما تم إخطار رجال الشرطة لحضورهم حفاظاً على النظام والأمن العام. وفي المدينة التي أقطن بها وأمام مبنى الإتحاد التقينا مساء التاسع من أكتوبر وسافرنا-أعضاء الإتحاد بمدينتي-سوياً في الحافلة التي استقلها لنا الإتحاد. وفي تمام الثامنة صباحاً كنا قد وصلنا، وبدأنا السير في قلب "روما الجميلة" غير أن جمالها بدى شاحباً حزيناً! فقد استقبلتنا سماؤها بسيل من البكاء حال دون إستكمال مواصلة السير على الأقدام فدخلنا قسراً لأحد البارات(كوفي شوب) إلى أن تهدأ دموعها، وإلى أن تجف ملابسنا التي غرقنا بداخلها رغم استخدامنا للمظلات. وجلست أحتسي القهوة برفقة زملائي، وعلى يميني كانت صديقتي (كلاوديا نيوكّي)-رئيسة جمعية أجوراه داي موندي والتي أنا إحدى عضواتها- وعلى يساري الكرواتية (مايا جروبيسك)-مديرة مكتب الهجرة- وفجأة وجدتها تقترب منّا هامسة:"صاحب البار يبدو عليه انه من أصل روماني، أعوذ بالله!أنا لا أطيق رومانيا بكل مواطنيها..فهم شعب مغرور ثقيل الدم"! انطلقت ضحكاتنا مدوية في أرجاء المكان، والسبب أعلنته كلاوديا حينما أقتربت من أذن مايا قائلة:"أتقولين أنتِ هذا الكلام! فما بال أننا قطعنا مئات الكيلومترات كي نحارب العنصرية وندعو للإندماج هاهاها". ولوهلة إنزوت سخرية مايا بعدما تحولت إلى إبتسامة خجولة. ثم إتجهنا نحو ميدان نافونا الذي ستُقام به المظاهرة، وفي الطريق مررنا على النافورة الشهيرة (فونتانا دي تريفي) التي غطس داخلها الزعيم عادل إمام ليلملم القطع المعدنية وهو يتغنى بأغنية الفيلم "الساعة بخمسة والحسابة بتحسب". وللحظة غطست أنا داخل نفسي وتذكرت الأيام الخوالي-أي الأيام التي جاء الزعيم إلى هنا- فها هي السنوات قد مرت ومازلت الساعة -بكل ما تملك من عقارب- بخمسة مع بعض الزحزحة الطفيفة في الرواتب رغم ان كل السلع ارتفع سعرها وطبقا لأحدث إحصائية أُجريت في عام 2009 تعد ايطاليا أكثر دول الإتحاد الأوروبي غلاءً في أسعار السلع وكافة المنتجات الغذائية! ما علينا، وصلنا الميدان، وكانت هناك كاميرات الصحافة والتليفزيون، وآلاف من المتظاهرين، وعلى أكتافنا الأعلام والشعارات. وفي الوقت الذي أمسك الجميع بعلم ايطاليا الخاص بالإتحاد(أي المكتوب عليه اسمه)؛ فقد أدخلت أنا علم ايطاليا في طرف حجابي بدبوس صغير وجعلته يتدلى فوق ملابسي أما يدي فجعلتها حكراً لعلم وطني الحبيب مصر. كنت أبدو غريبة إلى حد ما.. الأمر الذي دفع بأحد الأشخاص ليسألني متعجباً: ما الذي أتى بعلم مصر إلى هنا؟ فأجبته: إندماج الأعلام جزء من إندماج الأنام. وفي الحقيقة، لم أكن أقصد سوى إبراز اسم مصر وإعلاء علمها وسط أكبر ساحات روما. لماذا أسرد لكم كل هذا؟! أولاً: لأنني أجد سعادة غامرة في أن أتحدث إليكم وتتحدثون إليّ، ثانياً: أردت عرض النموذج الذي ينبغي ان تكون عليه المظاهرات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية في بلادنا العربية.. نحتاج للنظام وللتحضر في طريقة التعبير عن الرأي. [email protected]